كرة اليد في الجزائر: شغف جماهيري وصناعة مجد رياضي

ADVERTISEMENT

تُعد كرة اليد في الجزائر أكثر من مجرد رياضة، إنها شغف وطني متأصل في الوجدان الشعبي. فبعد كرة القدم، تأتي كرة اليد في المرتبة الثانية من حيث الشعبية، إذ تجذب آلاف المتابعين من مختلف المدن والقرى. وتتميز الجزائر بتاريخ طويل ومشرف في هذه الرياضة، حيث نجح منتخبها الوطني في فرض نفسه على الساحة الإفريقية والعربية لعقود، مانحًا الجماهير الجزائرية لحظات من الفخر والانتصار.

بدأت قصة كرة اليد في الجزائر بعد الاستقلال عام 1962، حين شرعت الدولة في بناء هوية رياضية جديدة تجمع بين الحماس الوطني والطموح التنافسي. وسرعان ما انتشرت اللعبة في المدارس والجامعات والأحياء الشعبية، بفضل بساطتها وإمكانية ممارستها في أي مكان. لم تكن كرة اليد مجرد وسيلة للترفيه، بل أصبحت منبرًا لتفريغ الطاقات الشابة، ومجالًا للتعبير عن روح الانتماء والإصرار.

ADVERTISEMENT

اليوم، تُمثل كرة اليد الجزائرية نموذجًا لرياضة مزدهرة تسعى إلى التطوير المستمر. فقد أثبتت المنتخبات الوطنية والأندية المحلية قدرتها على المنافسة قارياً ودولياً، رغم التحديات التنظيمية والمالية. وبين المهارة والروح الجماعية، تظل كرة اليد مرآة تعكس قوة الشخصية الجزائرية وحرصها على التفوق الرياضي.

تاريخ كرة اليد في الجزائر وبداياتها

عرفت كرة اليد طريقها إلى الجزائر خلال فترة الاستعمار الفرنسي، لكنها لم تصبح نشاطًا واسع الانتشار إلا بعد الاستقلال. ففي ستينيات القرن الماضي، بدأت وزارة الشباب والرياضة في دعم إنشاء أول اتحادية جزائرية لكرة اليد سنة 1962، وهو ما أتاح تنظيم المسابقات المحلية وتأسيس الأندية الأولى التي حملت مشعل اللعبة في البلاد.

مع مرور السنوات، برزت أسماء أندية مثل مولودية الجزائر، نصر حسين داي، وجي إس كبيلي، التي أسست لقاعدة جماهيرية متينة. كما أن إنشاء البطولات الوطنية في السبعينيات ساهم في تطوير المستوى الفني للاعبين وصقل مهاراتهم. وكان للمدارس والجامعات دور كبير في تخريج مواهب جديدة أسهمت لاحقًا في تقوية المنتخب الوطني.

ADVERTISEMENT

شهدت السبعينيات والثمانينيات العصر الذهبي لكرة اليد الجزائرية، حيث أصبحت المنتخبات الجزائرية بين الأفضل في إفريقيا والعالم العربي، ونجح المنتخب الوطني في التتويج ببطولات قارية متتالية، ما جعل اللعبة تحظى باعتراف رسمي وشعبي واسع. هذه المرحلة لم تكن فقط انتصارات رياضية، بل كانت أيضًا رمزًا للوحدة الوطنية بعد الاستقلال، وتجسيدًا لفكرة أن الرياضة وسيلة لبناء الهوية الجماعية.

بواسطة Marino Bobetic على Unsplash

مرمى كرة اليد

المنتخب الوطني الجزائري لكرة اليد: مسيرة إنجازات

يُعد المنتخب الوطني الجزائري لكرة اليد من أكثر المنتخبات تتويجًا في القارة الإفريقية. فقد سيطر على البطولة الإفريقية في الثمانينيات بشكل شبه كامل، حيث فاز باللقب ست مرات متتالية بين عامي 1981 و1989، وهو رقم قياسي يثبت مدى تفوق الجزائر في تلك الفترة. كما شارك المنتخب في عدة نسخ من بطولة العالم، ما عزز مكانته على الساحة الدولية.

ADVERTISEMENT

تميز المنتخب الجزائري بأسلوب لعب يعتمد على السرعة، التماسك الدفاعي، والروح الجماعية. وكان من أبرز نجومه اللاعبون الأسطوريون مثل عبد الله دريسي، كريم بدرة، وعبد الرحمن حميدوش، الذين أصبحوا رموزًا رياضية ألهمت أجيالًا من الشباب. كما كان المدرب كمال عقاب من الأسماء التي ساهمت في بناء منظومة حديثة للمنتخب.

في السنوات الأخيرة، ورغم التحديات الاقتصادية ونقص الإمكانيات، استمرت الجزائر في الظهور القوي بالمنافسات القارية، محتفظة بموقعها ضمن النخبة الإفريقية. ولا يزال الطموح قائمًا لاستعادة مجد الثمانينيات عبر الاستثمار في الفئات الشابة والبنية التحتية، وهو ما تعمل عليه الاتحادية الجزائرية لكرة اليد ضمن خطتها التطويرية الممتدة حتى عام 2030.

بواسطة Duy Nod على Unsplash

كرة اليد

الأندية والبطولات المحلية ودورها في تطوير اللعبة

ADVERTISEMENT

تُعتبر الأندية المحلية العمود الفقري لكرة اليد الجزائرية، فهي التي تُخرّج المواهب وتُغذي المنتخب الوطني باللاعبين المميزين. من أبرز هذه الأندية مولودية الجزائر ونصر حسين داي ووفاق عين التوتة، إلى جانب فرق قوية من ولايات وهران وتلمسان وبجاية. وتُعرف البطولة الجزائرية لكرة اليد بأنها من أكثر الدوريات تنافسية في إفريقيا، لما تتسم به من إثارة ومستوى فني مرتفع.

تعمل الأندية على تطوير أكاديميات شبابية لتدريب اللاعبين منذ سن مبكرة، وتولي اهتمامًا خاصًا بالجوانب البدنية والتكتيكية. كما أن بطولات الجامعات والمدارس تمثل خزّانًا دائمًا للمواهب الجديدة. ويُلاحظ في السنوات الأخيرة اهتمام متزايد من الجهات الرسمية بتوفير الدعم المادي للأندية، بهدف إعادة كرة اليد إلى مجدها السابق.

ورغم التحديات المتمثلة في ضعف التمويل أو غياب الرعاة، فإن روح التحدي لدى اللاعبين والمدربين تبقي المنافسة قوية. كما ساهمت المشاركة في البطولات الإفريقية والعربية في رفع مستوى الاحتكاك الدولي وتبادل الخبرات، مما يجعل الجزائر اليوم أحد المراكز المهمة لتطوير كرة اليد في المنطقة المغاربية.

ADVERTISEMENT

كرة اليد في المجتمع الجزائري: من الشغف الشعبي إلى الحلم الأولمبي

كرة اليد في الجزائر ليست حكرًا على الرياضيين فقط، بل أصبحت جزءًا من الثقافة المجتمعية. في المدارس والأحياء، تُقام مباريات ودية بين الشباب والأطفال، وغالبًا ما تكون الصالات الرياضية مكتظة بالمشجعين الذين يتابعون المباريات بشغف لا يقل عن كرة القدم. ويُلاحظ أن النساء أيضًا يشاركن بقوة في هذه اللعبة، من خلال الفرق النسوية التي بدأت تبرز على الساحة المحلية والإفريقية.

تولي الحكومة الجزائرية اهتمامًا متزايدًا بالرياضات الجماعية، خاصة كرة اليد، باعتبارها وسيلة لتنمية روح الفريق والانضباط والمسؤولية لدى الشباب. وقد تم إدراج برامج وطنية لدعم الأكاديميات الرياضية، وتوفير بنية تحتية أفضل لتطوير مستوى التدريب.

الحلم الأكبر اليوم هو التأهل الدائم للألعاب الأولمبية وتحقيق نتائج تليق بتاريخ الجزائر الرياضي. ورغم صعوبة المنافسة، إلا أن روح التحدي المتجذرة في اللاعبين تجعل هذا الحلم ممكنًا. فالجزائر، التي صنعت المجد في القارة الإفريقية، قادرة على أن ترفع رايتها عاليًا في المحافل العالمية، لأن كرة اليد بالنسبة لها ليست مجرد رياضة، بل هوية وانتماء وفخر وطني.

ADVERTISEMENT
بواسطة Pascal Swierعلى Unsplash

شكل آخر لكرة  اليد

تمثل كرة اليد في الجزائر قصة نجاح رياضي وإنساني في آنٍ واحد، جمعت بين الإصرار الشعبي والدعم المؤسسي والإبداع الفني. فهي مرآة لروح وطنٍ يحب المنافسة ويؤمن بأن الرياضة وسيلة للتعبير عن الذات والانتماء. ومن خلال هذه اللعبة، أثبت الجزائريون أن العمل الجماعي والإصرار قادران على صنع المجد.

منذ البدايات المتواضعة بعد الاستقلال إلى البطولات الإفريقية المظفرة، ومن المدارس المحلية إلى الملاعب الدولية، ظلت كرة اليد رمزًا للوحدة الوطنية والروح القتالية. واليوم، ومع بروز جيل جديد من اللاعبين والمدربين، تواصل الجزائر رحلتها في بناء مستقبل أكثر إشراقًا لهذه الرياضة.

إنها ليست مجرد لعبة تُمارس في الصالات، بل حكاية وطنية نابضة بالحياة، تُروى بكل تمريرة هدف وبكل تصدٍ بطولي. فكلما دوى صوت صافرة النهاية معلنًا فوز المنتخب الجزائري، تردد الجماهير بفخر: “تحيا الجزائر... وتحيا كرة

toTop