السينما المصرية: تحليل التراجع ورسم الطريق إلى الأمام

على الرغم من الإنتاجات السينمائية العديدة والأعمال المتنوعة التي ظهرت منذ بداية عام 2024، بما في ذلك الأفلام ذات الميزانيات الضخمة مثل "السر" و"أولاد رزق 3" و"شكو" و"أهل الكهف"، والتي جذبت ملايين المعجبين المخلصين للسينما المصرية محليًا ودوليًا، إلا أن الحالة العامة لصناعة السينما لدينا لا تزال متدنية بشكل كبير مقارنة بالعقود السابقة. في السنوات السابقة، أنتجت مصر باستمرار أكثر من مائة فيلم سنويًا، وكان الجمهور يستمتع بانتظام بإصدارات جديدة كل شهر. ساهمت هذه الصناعة بشكل كبير في إيرادات الدولة واحتلت مكانة بارزة بين القطاعات الأخرى. لذلك، نبدأ مناقشة مع خبراء في هذا المجال لاستكشاف الأسباب المختلفة وراء هذا التراجع، بهدف تقديم نظرة شاملة لصناع القرار من أجل استعادة الصناعة إلى مجدها السابق وحيويتها التي تمتعت بها في العقود السابقة. سيتم تسليط الضوء على الرؤى التي شاركها هؤلاء الخبراء في الأقسام التالية.

مسألة مقلقة للغاية

صورة من wikipedia
صورة من wikipedia

أعرب المخرج عمر عبد العزيز عن مخاوفه قائلاً: "لقد كنت منزعجًا منذ فترة طويلة من تراجع إنتاج الأفلام في مصر عامًا بعد عام، وهو ما لا يليق تمامًا بمكانة مصر السينمائية. تميزت السينما المصرية بإنتاجها الوفير منذ نشأتها قبل قرن تقريبًا واستمرت بقوة حتى منتصف التسعينيات، حتى في أوقات الحرب. وظل الإنتاج وفيرًا خلال العصر الذي هيمن عليه مصطلح "سينما العقود"، الذي اكتسب شعبية في الثمانينيات. لا أتفق مع الفكرة السائدة بأن الدراما التلفزيونية هي السبب الرئيسي لهذا التراجع، حيث يُفترض أنها طغت على السينما. هذا مفهوم خاطئ كبير لا يمكن قبوله كحقيقة. تأثرت السينما، مثل العديد من أشكال الفن الأخرى، بشكل كبير بوسائل التواصل الاجتماعي، مما قلل من الناتج الإجمالي للفنون. أصبحت وسائل التواصل الاجتماعي منصة يسهل الوصول إليها للكثيرين، مما دفع العديد من الأفراد إلى تفضيلها على حضور دور السينما لمشاهدة الأفلام والتفاعل مع العروض المسرحية المختلفة. علاوة على ذلك، فإن نجوم الأعمال السينمائية، الذين كان من المتوقع ظهورهم بكثافة في السابق، أصبحوا متاحين بشكل متكرر من خلال مسلسل موسمي واحد على الأقل كل عام، بالإضافة إلى البرامج التلفزيونية التي يشاركون فيها بنشاط.

إعادة النظر

صورة من wikimedia
صورة من wikimedia

وفقًا للكاتب مجدي صابر، تحتل السينما المصرية المرتبة الثانية بين أقدم صناعة السينما في العالم بعد فرنسا. ومن الجدير بالذكر أنه عندما أقام الأخوان لوميير عرضهما الأول في باريس عام 1895، أقيم عرضهما الثاني في الإسكندرية بعد بضعة أشهر فقط. لقد مرت السينما المصرية بمراحل عديدة، وتطورت من الأفلام الصامتة إلى الأفلام الصوتية. وقد حدثت نقطة تحول مهمة تحت قيادة طلعت باشا حرب، الذي أسس ستوديو مصر وعزز مهارات الفنانين المصريين من خلال توفير فرص تعليمية في أوروبا في مختلف مجالات الصناعة، بما في ذلك التمثيل والتصوير السينمائي وتصميم الديكور والإخراج. وبالتالي، منذ أوائل الثلاثينيات، بدأت السينما المصرية في اختراق العالم العربي بأكمله. وبالتالي يمكن القول إن السينما ووسائل الإعلام المصرية تشكل مكونات حيوية للثقافة المصرية، وتلعب دورًا حاسمًا في نشر اللهجة المصرية في جميع أنحاء العالم العربي. وعلى مر السنين، تطورت السينما المصرية عقدًا بعد عقد، وأنتجت سردياتها الخاصة وابتعدت عن الاعتماد على القصص الأجنبية. لقد بلغ الإنتاج ذروته في ثمانينيات القرن الماضي، حيث أنتجنا 120 فيلماً سنوياً، وحظينا بعدد كبير من دور العرض التي عرضت مجموعة متميزة من الفنانين الأسطوريين، من بينهم فاتن حمامة وكمال الشناوي وعماد حمدي. ومع بداية الألفية الجديدة، حدث تحول كبير في المشهد السينمائي المصري، وظهرت عناصر مختلفة زعزعت هذا المجال، ومن أبرز العوامل التي أدت إلى ذلك ظهور قرصنة الأفلام وتوزيعها على منصات التواصل الاجتماعي، مما أدى إلى إفلاس شركات الإنتاج وخروجها من السوق. ونتيجة لذلك، شهد الإنتاج السينمائي تراجعاً، حيث وصل إلى ستة أفلام فقط سنوياً. ولكن في عام 2010، انتعشت الصناعة، وأنتجت حوالي ثلاثين فيلماً سنوياً. وقد اعتبر العديد من النقاد والمستثمرين في الفنون هذا تقدماً كبيراً. ولاستعادة القوة في صناعة السينما، من الضروري الالتزام بمبادئ معينة، وأهمها التركيز على السرد السينمائي. وهذا يعني البحث عن كتاب سيناريو ابتعدوا عن الساحة، بعضهم بسبب الوفاة، مثل وحيد حامد، وآخرون تراجعوا وهم على قيد الحياة، مثل بشير الديك ومحمد جلال عبد القوي. ويعزى هذا التحول إلى حد كبير إلى ظهور جيل جديد من المنتجين الذين لا يضعون أولوية لكتّاب السيناريو أو المخرجين؛ بل يبحثون بدلاً من ذلك عن مدير إنتاج ينفذ رغباتهم.

خطة جديدة

أشارت الناقدة دينا شرف الدين إلى أن الإنتاج السينمائي في مصر شهد تراجعًا ملحوظًا خلال العامين الماضيين مقارنة بالأعوام السابقة. وهذا أمر لافت للنظر بشكل خاص في ظل شغف الجمهور بالتجارب السينمائية بعد جائحة كوفيد-19 والمراحل اللاحقة من الإغلاق، والتي أدت في النهاية إلى إعادة الفتح التدريجي وتجدد الشعور بالثقة بين الجمهور. وقد استدعى هذا الوضع زيادة الأعمال السينمائية واستعدادًا أكبر من قبل كيانات الإنتاج للانخراط في الصناعة، خاصة وأن العديد من المشاريع حققت مئات الملايين من الإيرادات خلال العامين الماضيين. ومع ذلك، كان التركيز في المقام الأول على تقديم أعمال فنية عالية الجودة تعكس الجهود الكبيرة لجميع المشاركين في عملية الإنتاج. ونأمل أن تتم إعادة هيكلة الوضع الحالي للسينما لتعزيز مستويات الإنتاج ومواءمة الطلب الجماهيري الكبير لدينا كأكبر دولة عربية، فضلاً عن تقديرنا المتأصل للفنون. وعلى صعيد أكثر إيجابية، شهد قطاع الدراما التلفزيونية زيادة في الإنتاج، مع زيادة في عدد الأعمال التي يتم إنشاؤها.

  • الحيوانات
  • إدارة وأعمال
  • الثقافة
  • الطعام
  • أسلوب الحياة
  • علوم
  • تقينة
  • الرحلات والسفر

    الثقافة

      المزيد من المقالات