هل ريادة الأعمال حقيقة أم كذبة كبرى؟

انتشرت مؤخرًا صورة نمطية عن رواد الأعمال، تُظهر شابًا أو فتاة بملابس غير تقليدية وأجهزة حديثة، يصرخ غضبًا لأن فكرته "الرائدة" لم تُقبل رغم أنه يعتقد أنها مميزة. وغالبًا ما يكون من أسرة ميسورة، يستخدم مصطلحات تقنية دون فهم حقيقي، ويسعى لجذب الأنظار وإظهار التميز حتى لو بالادعاء. أصبحت هذه الصورة معروفة في برامج وفعاليات ريادة الأعمال، ولم تعد مقتصرة على الدول العربية، بل توسعت عالميًا وتم تصديرها، فأصبح رواد الأعمال يرتبطون في أذهان الناس بالفشل المموّه والتصنع، ما أدى إلى تدهور سمعة المجال.

ريادة الأعمال في جوهرها تعني الإبداع وابتكار الحلول والفرص رغم محدودية الموارد، والهدف منها خلق قيمة حقيقية ومؤثرة. لكن الواقع الحالي لا يعكس هذا المعنى في الغالب، إذ تسيطر الرغبة في الحصول على أرباح سريعة، وأحيانًا بطرق غير أخلاقية. الإعلام ساهم في تضخيم صورة رائد الأعمال، حتى أصبحت ترمز إلى النجاح والمكانة الرفيعة، ما جذب الشباب إلى المجال بحثًا عن الشهرة وليس عن الإنجاز، فغلب الاهتمام بالمظهر والصورة على القيمة الحقيقية للمشاريع.

السينما والتلفزيون أديا دورًا كبيرًا أيضًا، حيث قدّمتا نماذج درامية لرجال أعمال ومديري شركات بأساليب يقلدها الجمهور دون تفكير، مما أدى إلى تشويه صورة ريادة الأعمال، فأصبحت مجرد واجهة اجتماعية بدلًا من كونها عملًا إنتاجيًا. كما ظهرت مجموعة من "رواد الأعمال المزيفين" الذين يبالغون في إنجازاتهم أو يختلقونها، مثلما حدث مع إليزابيث هولمز في شركتها "ثيرانوس"، التي وصلت قيمتها إلى مليارات الدولارات قبل أن يُكتشف أنها كانت تخدع الجميع.

من المظاهر الخطيرة أيضًا المبالغة في تضخيم الفكرة، فيدّعي البعض أن لديهم مشاريع ثورية بينما تكون مجرد أفكار بسيطة مثل بيع بطاطا مغطاة بالشوكولاتة الفاخرة! هذه المبالغات، سواء كانت لجذب مستثمرين أو لتعويض نقص الثقة بالنفس، ساعدت على انتشار نماذج سطحية في المجال. وهكذا، أصبحت ريادة الأعمال مزيجًا بين الشغف الحقيقي والادعاء، بين الابتكار والمظاهر الفارغة، ما جعل الكثيرين يترددون في التعامل مع المجال بجدية.