اللاعقلانية الجماعية لدينا بشأن الطاقة النووية

ADVERTISEMENT

تُشكّل الطاقة النووية موضوع خلاف في الوعي الجمعي، فهي تُمثل أعلى درجات التقدّم التكنولوجي وفي الوقت ذاته مصدر قلق عميق بسبب تجارب مؤلمة مثل تشيرنوبيل وفوكوشيما. رغم ندرة الحوادث النووية، إلا أن وقعها النفسي العميق يدفعنا إلى المبالغة في تقدير مخاطرها، في حين أن الأرقام تُظهر أن الطاقة النووية تُسجل وفيات أقل مقارنة بالفحم والطاقة الكهرومائية، وفق بيانات الوكالة الدولية للطاقة الذرية ومنظمة الصحة العالمية.

يلعب الإعلام دورًا مؤثرًا في تغذية الخوف، إذ يُضخم الكوارث النووية النادرة ويتجاهل السجل الآمن واليومي لتشغيل المفاعلات. الصورة المشوهة تؤثر على السياسات، حيث يتجه الساساء، نتيجة لضغوط الرأي العام، نحو إغلاق المنشآت النووية، حتى لو أدى ذلك إلى زيادة الاعتماد على الوقود الأحفوري. تجربة ألمانيا مثال واضح على هذا التحول؛ فمحاولة استبدال المفاعلات النووية بمصادر متجددة أدت في النهاية إلى العودة للفحم والغاز، مما زاد الانبعاثات وتكاليف الكهرباء.

ADVERTISEMENT

ورغم التقدّم الكبير في تقنيات الطاقة المتجددة مثل طاقة الرياح والطاقة الشمسية، إلا أنها تبقى متقطعة ولا يُعتمد عليها بمفردها. أنظمة التخزين الحالية غير كافية لسد الفجوات الإنتاجية الممتدة. وهنا تبرز الطاقة النووية بوصفها ركيزة مستقرّة، لا كمنافس بل كمُكمل ضروري لمصادر الطاقة المتجددة. تجربة فرنسا التي تعتمد على الطاقة النووية في أكثر من 70 % من إنتاج الكهرباء تُظهر كيف يُحقق أمن الطاقة ويُقلل الانبعاثات في الوقت ذاته.

لإعادة إدماج الطاقة النووية في مستقبل الطاقة المستدام، يجب تغيير السرد العام. الطاقة النووية، بفضل التطورات التقنية مثل المفاعلات المعيارية الصغيرة وتصاميم الثوريوم، باتت أكثر أمانًا وكفاءة. لكن تبديد المخاوف يتطلب تواصلًا شفافًا ورقابة صارمة وإدارة مسؤولة للنفايات. الخوف الجماعي من الطاقة النووية نابع من طبيعة إنسانية تتأثر بالروايات المأساوية، لكن مع تفاقم أزمة المناخ لم يعد التردّد مقبولًا. علينا إعادة النظر بعقلانية ومنح الطاقة النووية مكانها كجزء جوهري من مستقبل طاقة نظيفة وآمنة.

toTop