لأول مرة في التاريخ، استقبل مهرجان إدنبرة فرينج، الذي يعد بوتقة للمواهب المسرحية العالمية، مسرحية سعودية على مسارحه الشهيرة. كان عرض مسرحية ”طوق“ لأول مرة في مسرح بيدلام حدثًا ثقافيًا تاريخيًا، ليس فقط للمملكة العربية السعودية، بل للمشهد الإبداعي العربي بشكل عام. عُرضت المسرحية في الفترة من 1 إلى 5 آب / أغسطس 2025، وحظيت بإشادة النقاد، وجذبت جمهوراً دولياً متنوعاً، ووضعت المسرح السعودي على الخريطة الثقافية العالمية.
عروض لا تنتهي في مهرجان إدنبرة فرينج
تدور أحداث مسرحية طوق حول فوزي، رجل عالق في حلقة مفرغة من الرتابة. فوزي هو رئيس قسم، عالق في دورة بيروقراطية متكررة حيث يعود الزمن إلى نقطة البداية بشكل مثير للجنون. بعد لحظة من الانهيار العاطفي والتمرد، لا يتقدم اليوم إلى الأمام. بل يبدأ من جديد، مرارًا وتكرارًا.
قراءة مقترحة
كتب النص الكاتب أحمد بن حمضة، ويستكشف النص الحبس الوجودي، وعبثية الحياة المؤسسية، وتوق الإنسان إلى التحرر. من خلال إجراء مقارنات مع فيلم يوم غراوندهوغ (Groundhog Day)، والرعب الوجودي في مسرحية في انتظار غودو (Waiting for Godot)، تجسد المسرحية الصراع بين التمرد والاستسلام في عالم صارم.
ما يميز هذا الإنتاج هو عمقه المحلي - المتجذر في التجربة السعودية - ومع ذلك فهو يلقى صدى عالميًا.
قال أحد الحاضرين في إدنبرة: ”نحن جميعًا نعرف ما يعنيه أن تكون عالقًا. ما يلفت النظر هو كيف تجعل هذه المسرحية شيئًا محددًا ثقافيًا يبدو مألوفًا للجميع“.
تحت إخراج فهد الدوسري، طوق ليست مسرحية درامية مباشرة، بل هي تجربة بريشتية في النبرة والشكل. الديكور بسيط للغاية، يكاد يكون قاسياً: جدران رمادية، أثاث مؤسسي، وساعة ضخمة تطل بشكل مهيب على الشخصيات. تتغير الأغراض المسرحية قليلاً مع كل إعادة ضبط للوقت، ما يقدم إشارات بصرية مقلقة بأن هناك شيئاً ما ليس على ما يرام.
فوزي، الذي يلعبه شهاب الشهاب بدقة، يدعمه طاقم من الشخصيات المحاصرة بنفس القدر — زملاء إما يقاومون أو يقبلون بالطوق. ومن أبرز الشخصيات أماني، التي تلعبها فاطمة الجشي، والتي تحاول كسر حلقة العنف المنزلي التي تعاني منها. ومع ذلك، تماشيًا مع الواقعية الرصينة للمسرحية، فإن تمردها ليس صرخة من أجل الحرية بقدر ما هو رد فعل مدروس لحماية ابنها.
هذا التوتر - بين الفعل والركود - يكمن في صميم رسالة المسرحية. لا يتم تقديم حلول واضحة للجمهور. بل يتم دعوتهم للجلوس في عدم الراحة الناتج عن التكرار والتساؤل: هل الهروب ممكن أصلاً؟ أم أنه مجرد وهم نخلقه لنشعر بالحرية؟
مسرح بيدلام الشهير في إدنبرة
لم تصل مسرحية ”طوق“ إلى إدنبرة بين عشية وضحاها. فقد لفتت الانتباه لأول مرة عندما فازت بجائزة أفضل عرض معاصر في مهرجان الرياض المسرحي عام 2024. وفي العام نفسه، تم اختيارها للمشاركة في مهرجان أفينيون التاسع والسبعين في فرنسا خلال عرض للمسرحيات العربية. ومن هناك، تمت دعوتها إلى مهرجان إدنبرة فرينج، أكبر مهرجان فني مفتوح للجمهور وأكثره شهرة في العالم.
وقد دعمت اللجنة السعودية للمسرح والفنون الأدائية نجاحها الدولي، حيث اختارت مسرحية ”طوق“ كجزء من برنامج ”سِتار“، وهو برنامج دعم فني وإنتاجي في قطاع المسرح والفنون الأدائية في المملكة العربية السعودية، ويهدف إلى تسليط الضوء على الأصوات السعودية الناشئة ورفع جودة الإنتاج المسرحي وتعزيز السرد القصصي المحلي على نطاق عالمي.
استجاب النقاد والجمهور في إدنبرة بفضول وإعجاب. وصف أحد النقاد المسرحية بأنها ”مُنفذة بذكاء“، وأشاد بـ”منطقها الكافكاوي“ وأدائها المتقن وتصميمها المسرحي المربك.
وأبرزت الصحف أهمية موضوع المسرحية، مشيرة إلى أن انتقادها للبيروقراطية والغربة ملائم للسعودية بقدر ما هو ملائم للبلدان الأخرى.
على الرغم من خصوصية المكان والطابع الثقافي، استفادت مسرحية طوق من التجارب المشتركة المتمثلة في القمع في مكان العمل، والجمود الشخصي، والضغوط النفسية الناتجة عن التوافق.
القمع في مكان العمل مشكلة تعالجها مسرحية طوق
غالبًا ما تتم مناقشة التحول الثقافي في المملكة العربية السعودية في إطار رؤية 2030 من حيث الأفلام والموسيقى والترفيه على نطاق واسع. لكن مسرحية طوق تثبت أن المسرح - الذي ربما يكون أكثر الفنون حميمية وجرأة - يشهد أيضًا نهضة.
تتيح برامج مثل ”سِتار“ والمهرجانات المسرحية المدعومة من الحكومة والتعاون الدولي للمؤلفين والمخرجين والممثلين السعوديين تحدي التقاليد ومناقشة الموضوعات المحرمة والمساهمة في الحوارات الفنية العالمية.
وبهذا المعنى، فإن مسرحية طوق ليست مجرد حدث منفرد؛ بل أيضًا رمز للظهور الإبداعي.
وكذلك مشكلة الإحباط في العمل
بعد عرض المسرحية في مهرجان فرينج، أعرب الفريق المسؤول عن المسرحية عن رغبته في القيام بجولة في أوروبا وربما عرض المسرحية في أمريكا الشمالية. كما أنهم في مرحلة مبكرة من المفاوضات لإنتاج نسخة تلفزيونية باللغة العربية، ما سيوسع نطاق انتشارها في الشرق الأوسط.
في غضون ذلك، ألمح الكاتب المسرحي أحمد آل بن حمضة إلى أن عمله القادم ”سيتعمق أكثر في المشهد النفسي للمجتمع العربي المعاصر“.
قد تكون مسرحية ”طوق“ قد عُرضت لأول مرة على بعد آلاف الكيلومترات من الوطن، لكن صداها بدأ يتردد بالفعل في جميع أنحاء المملكة العربية السعودية وخارجها. إنها ليست مجرد مسرحية عن الشعور بالجمود، بل هي مسرحية تكسر التوقعات حول ما يمكن أن يكون عليه الفن السعودي.
مع سقوط الستار في إدنبرة، تفتح أبواب جديدة للمسرح السعودي، ليس فقط على المسرح العالمي، بل في قلوب الجمهور الذي يرى في هذه المسرحية المحلية العميقة حقائق عالمية خاصة بهم.
ولادة خمسة غزلان رملية عربية: منارة للحفاظ على البيئة
جزيرة العبيد التي لم تكن؟ التاريخ والجدل في ليل دو غوريه
أعمق الحفر على وجه الأرض
اكتشاف البوشيدو والساموراي
فن ضبط النفس
إنجاز رائد في علاج صمامات القلب في مصر
4 وصفات لمائدتك من أشهر المقبلات العربية
قوة الجملة: دراسة شاملة لثمانية اقتباسات مُذهلة من جملة واحدة
11 أداة مذهلة من معرض الإلكترونيات الاستهلاكية 2025 يجب أن تعرفها: نظرة خاطفة على ما هو قادم في مجال التكنولوجيا، مباشرة من المستقبل
قد يؤثر الكافيين في الدم على دهون الجسم وخطر الإصابة بالسكري