إرث أحمد زويل، الحائز على جائزة نوبل، يُعيد إحياء البرمجة العلمية في مصر

ADVERTISEMENT

أحمد زويل، أول حائز على جائزة نوبل في العلوم في مصر، كان أكثر من مجرد كيميائي لامع، بل كان صاحب رؤية ثاقبة رأى في العلم حافزًا للتحول الوطني. مُنح جائزة نوبل في الكيمياء عام 1999لعمله الرائد في كيمياء الفيمتو، ولم يكتفِ زويل بالثناء العالمي، بل وجّه نظره نحو مصر، مصممًا على إشعال نهضة علمية في منطقة طالما طغى عليها عدم الاستقرار السياسي ونقص التمويل للأبحاث. كشف عمل زويل الرائد عن كيفية سلوك الذرات في الوقت الفعلي، ملتقطًا التفاعلات الكيميائية على مقياس الفيمتو ثانية - جزء من مليون من مليار من الثانية. وقد أحدث هذا ثورة في فهمنا لديناميكيات الجزيئات وفتح آفاقًا جديدة في الكيمياء والأحياء والطب. لكن طموحه الأعمق كان إحداث ثورة في كيفية إدراك العلم وممارسته في العالم العربي. كان يؤمن بأن التميز العلمي ليس ترفًا، بل ضرورة للتقدم والسيادة والكرامة. فطوال مسيرته المهنية، شدّد زويل على ضرورة ترسيخ العلم في الهوية الوطنية. وحثّ مصر على الاستثمار في البحث العلمي، ورعاية المواهب، وإنشاء مؤسسات قادرة على المنافسة عالميًا. وتحدث بشغف عن ضرورة تعزيز الثقافة العلمية، ليس فقط بين الباحثين، بل في جميع أنحاء المجتمع. وبذلك، مهد الطريق لجيل جديد من العلماء الذين لم يروا أنفسهم مجرد باحثين، بل بناة أمم.

ADVERTISEMENT
صورة بواسطة Douglas A. Lockard على wikipedia

مدينة زويل للعلوم والتكنولوجيا - إرث حي

من أبرز مساهمات زويل الخالدة إنشاء مدينة زويل للعلوم والتكنولوجيا، وهي مجمع بحثي وتعليمي ضخم أُطلق عام 2000 وأُعيد إحياؤه بعد ثورة 2011. ولم تكن هذه المؤسسة مجرد تكريم لإنجازاته، بل كانت بمثابة نموذج لمستقبل مصر العلمي. صُممت مدينة زويل لتكون مركزًا للأبحاث المتقدمة والابتكار والتعاون متعدد التخصصات. تضم معاهد تُركز على تكنولوجيا النانو، وعلم الجينوم، والطاقة المتجددة، وعلوم الطب الحيوي، والذكاء الاصطناعي. رسالتها واضحة: تنشئة علماء ومهندسين من الطراز العالمي قادرين على حل أكثر تحديات مصر إلحاحًا، بدءًا من ندرة المياه والاستدامة الزراعية، وصولًا إلى الصحة العامة والتحول الرقمي. وما يميز مدينة زويل هو دمجها للمعايير العالمية مع الاهتمام المحلي حيث يتم تشجيع الطلاب والباحثين على التفكير خارج الصندوق، وتطبيق معارفهم على مشاكل العالم الحقيقي. كما تعزز المؤسسة شراكاتها مع الجامعات ومراكز الأبحاث الدولية، مما يضمن بقاء العلوم المصرية متصلة عالميًا وقادرة على المنافسة. تركز الفلسفة التعليمية للمدينة على التفكير النقدي والإبداع والمسؤولية الأخلاقية. وتسعى إلى كسر نمط التلقين والتعليم السلبي، وتوفير بيئة ديناميكية يكون فيها الاستقصاء والتجريب أمرًا محوريًا. كان زويل يؤمن بأن التعليم الحقيقي يجب أن يُمكّن الطلاب من طرح أسئلة جريئة والسعي إلى حلول هادفة. وحتى بعد رحيل زويل عام 2016، لا تزال المدينة تنمو وتجذب المواهب والاستثمارات. فهي تُمثل صرحًا ماديًا وفكريًا يُجسّد إيمانه بأن العلم قادر - بل وواجب - على خدمة المجتمع.

ADVERTISEMENT
صورة بواسطة CFP-Zewail على wikipedia

إعادة إحياء البرمجة العلمية - نقلة ثقافية

أحدث إرث زويل نقلة ثقافية أوسع في نهج مصر تجاه البرمجة العلمية والتعليم. إذ ساهم تأثيره في إعادة صياغة العلوم من مسعىً خاص إلى أولوية وطنية. ونشهد اليوم تركيزًا متجددًا على تعليم العلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات، ومعسكرات البرمجة، وأبحاث الذكاء الاصطناعي، والابتكار الرقمي في الجامعات والشركات الناشئة والمبادرات الحكومية. وقد استجابت الحكومة المصرية بزيادة تمويل البحث العلمي، وتقديم منح دراسية لطلاب العلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات، والتعاون مع شركات التكنولوجيا لتحديث المناهج الدراسية. وأطلقت وزارة التعليم العالي برامج لدمج التفكير الحاسوبي والبرمجة في التعليم المبكر، مستوحاة من دعوة زويل للإصلاح الجذري. وتهدف هذه الجهود إلى تزويد الطلاب ليس فقط بالمعرفة، بل بالأدوات اللازمة للابتكار والتكيف في عالم سريع التغير. علاوة على ذلك، مكّن إرث زويل الشباب المصري من السعي بفخر وراء وظائف في مجال العلوم والتكنولوجيا . وتحتفي حملات وسائل التواصل الاجتماعي والأفلام الوثائقية والبرامج المدرسية بقصته، مما يجعل العلم طموحًا أكثر من مجرد خلاصات إن رحلته من بلدة دسوق الصغيرة إلى مختبرات معهد كاليفورنيا للتكنولوجيا تُجسّد الآن ما يُمكن تحقيقه عندما تلتقي الموهبة بالفرصة. لم تعد البرمجة العلمية حكرًا على دوائر النخبة. تزدهر فعاليات الهاكاثون، ومساحات الإبداع، ومسابقات البرمجة في القاهرة والإسكندرية وغيرهما. تعكس هذه الحركات الشعبية ديمقراطية العلوم - وهي ديمقراطية دعا إليها زويل بشغف. كما أنها تُعزز التعاون بين التخصصات، مُشجعةً الطلاب على دمج الهندسة بالفن، وعلم الأحياء بعلم البيانات، والفيزياء بالفلسفة.

ADVERTISEMENT
صورة بواسطة Unknown author على wikipedia

التأثير العالمي وآفاق المستقبل

يمتد تأثير زويل إلى ما هو أبعد من حدود مصر فلقد ألهم عمله العلماء في جميع أنحاء العالم العربي للسعي نحو التميز وتحدي الوضع الراهن. استشهدت دول مثل المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة وقطر بإرثه في استراتيجياتها الخاصة بالتنمية العلمية، حيث استثمرت بكثافة في البنية التحتية للأبحاث، ورعاية المواهب، والتعاون الدولي. في مصر، تتجلى الآثار المتتالية في صعود الدبلوماسية العلمية. يشارك الباحثون المصريون بشكل متزايد في المؤتمرات العالمية، وينشرون في المجلات العلمية المرموقة، ويتعاونون في المشاريع الدولية. ساعد تركيز زويل على العلم كجسر بين الثقافات في وضع مصر كقائد إقليمي في الابتكار والتبادل الفكري. وبالنظر إلى المستقبل، يكمن التحدي في الحفاظ على الزخم. يقدم إرث زويل خارطة طريق، لكنها تتطلب استثمارًا مستمرًا، ودعمًا سياسيًا، وتعزيزًا ثقافيًا. تشمل الحدود التالية الحوسبة الكمومية، وعلوم المناخ، والتكنولوجيا الحيوية، واستكشاف الفضاء - وهي مجالات يمكن لمصر أن تساهم فيها بشكل هادف إذا بنت على الأساس الذي وضعه زويل. هناك أيضًا حاجة متزايدة لربط التقدم العلمي بالتأثير المجتمعي. آمن زويل بأن العلم يجب أن يخدم الإنسانية، وليس الصناعة فقط. وهذا يعني مواءمة البحث مع الاحتياجات العامة، وضمان المعايير الأخلاقية، وتعزيز الوصول الشامل إلى التعليم والابتكار. تُذكرنا قصته بأن التقدم العلمي لا يقتصر على المختبرات والمعادلات، بل يشمل الرؤية والشجاعة والإيمان بأن المعرفة قادرة على تغيير حياة الناس.

أكثر المقالات

toTop