دجلة والفرات: شريان حضارة بلاد الرافدين وأسرار الجغرافيا والتاريخ

يُعدّ نظام نهري دجلة والفرات العمود الجغرافي والتاريخي لمنطقة الشرق الأوسط. على مدى آلاف السنين زوّدا الأرض بالماء اللازم للزراعة، فاستقر الناس وبنَوا حضارات كبرى: السومرية، البابلية، الآشورية. انطلقت حضارة بلاد الرافدين من ضفّتيهما، وجرى الماء في قنوات الري فنمت مدن واتّسع التجار والثقافة.

ينبع الفرات من جبال الأناضول ويمتد 2700 كيلومتر تقريبًا. ينبع دجلة من جبال طوروس ويجري 1850 كيلومترًا تقريبًا، ثم يلتقيان في القرنة جنوب العراق ويُكوّنان شط العرب. الفرات ماءه هادئ، أما دجلة فسريع الجريان؛ هذا التباين أعطى المنطقة بيئات متعددة وسهّل بناء قنوات ري دقيقة أثّرت في أماكن المدن وفي الحدود الطبيعية لاحقًا.

التاريخ يُظهر أن الأرض المحصورة بين النهرين كانت قلبًا لنشوء المدن وانتقال المعرفة والأساطير، كما في ملحمة جلجامش التي تُظهر مكانة النهرين في ذاكرة الإنسان. الخصوبة التي منحها الماء جعلت الأرض مطمعًا لكل إمبراطورية تعاقبت على الحكم.

اقتصاديًا، وفّر الماء الزراعة الغزيرة فكثرت الحبوب والخضروات، وسهّل النقل والتجارة داخل البلاد. أنشئت سدود كبيرة مثل سد الفرات وسد الموصل فدفعت التنمية إلى الأمام، لكنها خفّضت منسوب الماء وأحدثت ضررًا بيئيًا، ما يُذكّر بضرورة الموازنة بين التنمية والحفاظ على الموارد.

سياسيًا، تداخلت مصالح تركيا وسوريا والعراق، وتزايد التوتر مع تراجع الأمطار وتغيّر المناخ. أصبح ملف النهرين قضية أمن قومي وبيئي يستوجب اتفاقًا إقليميًا عادلًا يضمن الاستمرار.

لا يُفصل دجلة والفرات عن هوية الشعوب التي نشأت على ضفّتيهما؛ هما سجل الحضارات القديمة وفي الوقت عينه الركيزة التي يعتمد عليها مستقبل المنطقة. إدارة الماء والبيئة بعناية أصبحت شرطًا لاستقرار الشرق الأوسط سياسيًا وغذائيًا.