في السوق العالمية للأفكار والتأثير، تجاوزت معارض الكتب الدولية منذ فترة طويلة وظيفتها الأساسية كمراكز لصفقات النشر. فهي نظم بيئية حيوية ونابضة بالحياة تصاغ فيها الروايات الوطنية وتمارَس الدبلوماسية الثقافية وتقدَّم هوية الأمة إلى العالم. وإدراكًا لهذا الالتقاء القوي بين الأدب والثقافة والاقتصاد، شرعت الهيئة السعودية للأدب والنشر والترجمة في مهمة استراتيجية للاستفادة من قوة هذه المسارح العالمية. ولا تقتصر مشاركتها على بيع حقوق الترجمة فحسب، بل هي حملة متطورة ومتعددة المستويات تهدف إلى وضع المملكة في مكانة مركز مزدهر للسياحة الثقافية، ودعوة العالم إلى النظر إلى ما وراء العناوين الرئيسية وإلى النسيج الغني لتاريخها.
تاريخياً، كانت مشاركة الدول في معارض الكتب العالمية تهدف إلى التصدير الثقافي، أي إرسال قصصها إلى الخارج. لكن نهج اللجنة السعودية يمثل تحولاً جذرياً. فهي تستخدم هذه المنصات ببراعة كدعوة كبيرة. لم تعد أجنحة المعرض مجرد عروض للكتب، بل أصبحت بوابات غامرة للتجربة السعودية. من خلال معارض منسقة تمزج بين الشعر العربي القديم والروايات السعودية المعاصرة، وعروض الخط العربي، والموسيقى النجدية التقليدية، والتجارب الحسية التي تستحضر روائح العود ومذاق القهوة العربية، يصبح الجناح صورة مصغرة للثقافة السعودية.
قراءة مقترحة
هذه التجربة الغامرة هي الخطوة الأولى الحاسمة في دفع عجلة السياحة الثقافية. فهي تحول الجمهور الدولي من مشاهدين سلبيين إلى مشاركين نشطين، وتثير فضولاً لا يمكن لغلاف كتاب وحده أن يحققه. عندما يتعامل زائر في لندن مع نسخة طبق الأصل من نقش ما قبل الإسلام في العلا أو يستمع إلى كاتب سعودي معاصر يتحدث عن مصادر إلهامه، يصبح المفهوم المجرد لـ ”زيارة المملكة العربية السعودية“ رغبة ملموسة وفكرية وعاطفية. في هذا السياق، يعمل معرض الكتاب كأكبر كتيّب سياحي فعال في العالم، لأنه كتيّب تفاعلي وأصيل وذو صدى عميق.
شعار الهيئة المنظمة
تتجاوز استراتيجية اللجنة حدود أرضية الجناح. فمن العناصر الأساسية لوجودها في المعارض الدولية إقامة شراكات استراتيجية مع دور النشر العالمية والوكالات الأدبية والمؤسسات الثقافية. ومن خلال تسهيل ترجمة أعمال المؤلفين السعوديين إلى عشرات اللغات، تضمن اللجنة أن يروي شعبها قصة أمته. يستكشف القراء في برلين وطوكيو ومكسيكو سيتي الآن المجتمع السعودي من خلال عدسة أدبه الحميمة، ما يكسر الصور النمطية ويبني أساسًا من الألفة والود العالميين.
هذه الدبلوماسية الأدبية لا غنى عنها للسياحة الثقافية. فالسائح أكثر ميلاً لزيارة بلد يشعر أنه يفهمه أو تربطه به صلة. كما تخلق ”عامل جذب“ حيث ينجذب المسافرون المحتملون لرؤية المناظر الطبيعية والمدن والأشخاص الذين تعرفوا عليها من خلال الكتب. ومن خلال دعم هذه الأصوات، تقوم اللجنة بشكل فعال بتأهيل السياح المستقبليين، وجذب فئة سكانية تتمتع بالفضول الثقافي والتعليم وتشتهي التجارب الأصيلة.
لا تقتصر الاستراتيجية على التوجه الخارجي فقط. إن العمل التحويلي الذي قامت به اللجنة في معرض الرياض الدولي للكتاب هو مثال على كيفية تحويل حدث ثقافي محلي إلى نقطة جذب سياحية عالمية. تحت إشرافها، أُعيد تصور معرض الرياض الدولي للكتاب من سوق كبير للكتب إلى مهرجان ثقافي شامل. ويضم الآن لجان مؤلفين دوليين وندوات أكاديمية وعروض أفلام وأقسام فنون الطهي ومناطق ضخمة للأطفال.
معرض الكتاب التقليدي في الرياض
من خلال جذب مئات الناشرين الدوليين وعشرات المؤلفين والمفكرين المشهورين عالمياً إلى الرياض، تخلق اللجنة تياراً قوياً للسياحة الثقافية الوافدة. يخطط عشاق الكتب من جميع أنحاء المنطقة والعالم الآن لرحلاتهم حول معرض الرياض الدولي للكتاب. يتدفقون إلى الرياض ليس فقط لتصفح الكتب، بل للمشاركة في احتفال يستمر أسبوعاً كاملاً، احتفال بالحياة الفكرية العالمية، مع الضيافة السعودية في صميمه. يُظهر هذا النموذج تأثيراً كاملاً: يتم الآن الاستفادة من القوة الناعمة التي تم بناؤها في المعارض الدولية في الخارج لجذب السياح الثقافيين إلى الحدث الرئيسي للمملكة، ما يظهر قدرتها على استضافة التجمعات الثقافية العالمية المستوى ويعزز مكانة الرياض كعاصمة ثقافية صاعدة.
هذا الجهد المركّز من قبل لجنة الأدب ليس مبادرة منعزلة. إنه عنصر مدروس بعناية في رؤية المملكة العربية السعودية 2030، وهي خطة طموحة للتنويع الاقتصادي والاجتماعي. تحدد الرؤية بوضوح الثقافة والسياحة كركيزتَين لمستقبل الأمة، بهدف زيادة مساهمة هذين القطاعين في الناتج المحلي الإجمالي وإثراء جودة حياة مواطنيها.
أصبحت وسائل مطالعة الكتب متعددة
يعمل عمل اللجنة في معارض الكتب الدولية على دعم هذين الهدفين بشكل مباشر. من خلال إعادة تشكيل الصورة العالمية للمملكة العربية السعودية، تدعم اللجنة بشكل مباشر هدف قطاع السياحة المتمثل في جذب ملايين الزوار. وفي الوقت نفسه، من خلال الاحتفاء بالمؤلفين والفنانين السعوديين على الساحة العالمية، فإنها تعزز المشهد الثقافي المحلي المزدهر، وتمكّن المواهب المحلية، وتغرس الشعور بالفخر بالتراث الوطني. وهي تخلق حلقة إيجابية: الاهتمام العالمي يثبت ويحفز الإبداع المحلي، والذي بدوره يولد المزيد من المنتجات الثقافية الجذابة للتصدير.
في الختام، تبرهن اللجنة السعودية للأدب والنشر والترجمة على براعتها في الاستراتيجية الثقافية الحديثة. فهي تدرك أن العلامة التجارية لأي دولة في القرن الحادي والعشرين هي عملتها الأكثر قيمة، وأن القصص هي العملة الأكثر جاذبية لتلك العلامة التجارية. ومن خلال الاستخدام الاستراتيجي للثروة الأدبية للدولة في معارض الكتب الدولية، فإن اللجنة تقوم بأكثر من مجرد الترويج للكتب. فهي تشارك في بناء سرد متطور، وترسي الأساس لاقتصاد سياحي ثقافي مستدام.
إنها دعوة للعالم ليأتي ويشهد دولة تتحاور مع ماضيها بينما تكتب مستقبلها بجرأة. الكتب هي المفتاح الذي يفتح الباب، لكن الرحلة - رحلة السياحة الثقافية - التي تليها هي القصة الحقيقية. من خلال هذا النهج الأدبي، لا تكتفي المملكة العربية السعودية بوضع كتبها على رفوف العالم؛ بل تدعو العالم إلى دخول مكتبتها والبقاء فيها لفترة من الوقت.
المغرب الأثري: فاس ووليلي ومراكش عبر العصور
القصة الملحمية لوادي الملوك بالأٌقصر
لماذا يوجد هذا العدد الكبير من اللبنانيين في السنغال؟
كيف وُضعت تماثيل موآي الشهيرة "مشيًا" في مكانها؟
الدول العربية: معلومات شيقة لم تسمعها من قبل
استراتيجيات شراء سيارة جديدة في 2025: هل تنتظر أم تشتري الآن؟
للشباب العربي: كيف تدير أول راتب لك بذكاء؟ دليل عملي لبداية مالية قوية
أبطال الاتحاد: أسباب فوز عملاق جدة بلقب الدوري السعودي للمحترفين 2025
كيف تؤثر البراكين على الإنسان؟
أسرع بـ 200 مرة: كاميرا جديدة تحدد الأجسام بسرعة الضوء، ويمكنها مساعدة السيارات ذاتية القيادة










