خلال بعض الأحلام، يبدو الدماغ في حالة "استيقاظ جزئي".

ADVERTISEMENT

كشفت الأبحاث الحديثة أن الدماغ، خلال بعض الأحلام، وخاصة تلك التي تحدث في مرحلة النوم غير الريمي (NREM)، يُظهر أنماطًا من النشاط تشبه اليقظة أكثر من النوم العميق. وهذا يتحدى الافتراضات الراسخة منذ فترة طويلة بأن الأحلام تقتصر على مرحلة النوم الريمي (REM)، وهي المرحلة المرتبطة تقليديًا بالأحلام الحية والمشحونة عاطفيًا. وقد جمع اتحاد دولي من علماء الأعصاب أكبر قاعدة بيانات على الإطلاق لنشاط الدماغ أثناء النوم، حيث جمعوا تسجيلات تخطيط كهربية الدماغ (EEG) مع تقارير مفصلة عن الأحلام من المشاركين في دراسات متعددة. ويُظهر تحليلهم أنه في مراحل النوم غير الريمي - التي تُعتبر عادةً هادئة ومريحة - يمكن للدماغ أن يدخل حالة هجينة تضيء فيها بعض المناطق كما لو كانت مستيقظة جزئيًا. تشير هذه الظاهرة إلى أن الحلم ليس تحولًا ثنائيًا بين النوم والوعي، بل هو طيف متدرج يمكن أن تظهر فيه العمليات المعرفية حتى في غياب الوعي الكامل. والآثار المترتبة على ذلك عميقة. فهذا يعني أن الدماغ الحالم قادر على التفكير المعقد، واسترجاع الذكريات، ومعالجة المشاعر حتى عندما يكون الجسم في حالة راحة. قد تفسر هذه اليقظة الجزئية سبب شعور بعض الأحلام بأنها متماسكة بشكل غير عادي، ولماذا يحل الناس أحيانًا مشاكلهم أثناء نومهم، ولماذا يختلف تذكر الأحلام بشكل كبير.

ADVERTISEMENT
صورة بواسطة Andrea Piacquadio على pexels

البصمات العصبية للأحلام الواعية وغير الواعية

إن أحد أكثر الجوانب إثارة للاهتمام في هذا البحث هو اكتشاف أن بعض الأحلام - وخاصة الأحلام الواعية - تنشط مناطق الدماغ المرتبطة عادةً بالوظائف التنفيذية، مثل قشرة الفص الجبهي. لطالما أثار الحلم الواعي، حيث يصبح الحالم مدركًا أنه يحلم وقد يتحكم في سرد الحلم، اهتمام العلماء والفلاسفة على حد سواء. في هذه اللحظات، يبدو أن الدماغ يدخل حالة من ما وراء المعرفة، ويتأمل في تجربته الخاصة بينما لا يزال منغمسًا في عالم الأحلام. أظهرت دراسات تخطيط كهربية الدماغ والتصوير بالرنين المغناطيسي الوظيفي (fMRI) أنه خلال الأحلام الواعية، يشبه النشاط الكهربائي للدماغ نشاط اليقظة، مع زيادة نشاط موجات غاما وزيادة الترابط بين المناطق الأمامية والجدارية. ولكن حتى في الأحلام غير الواعية، وخاصة تلك التي تحدث في نوم غير الريمي، لاحظ الباحثون نوبات من النشاط في المراكز الحسية والعاطفية، مما يشير إلى أن الدماغ مستيقظ بشكل انتقائي. قد يسمح هذا التنشيط الانتقائي بدمج الذكريات، أو التدرب على السيناريوهات الاجتماعية، أو معالجة المشاعر غير المحلولة. كما أنه يثير تساؤلات حول طبيعة الوعي نفسه. إذا كانت أجزاء من الدماغ قادرة على "الاستيقاظ" أثناء النوم، فماذا يعني ذلك بالنسبة لوحدة الذات؟ هل نحن ذوات متعددة عبر حالات مختلفة من الوعي، أم أن هناك جوهرًا أساسيًا من الاستمرارية يبقى ثابتًا بغض النظر عن الحالة العصبية؟ لم تعد هذه الأسئلة فلسفية بحتة، بل هي مبنية على بيانات علمية، وتشير إلى مستقبل قد يكشف فيه بحث النوم عن رؤى جديدة حول الإدراك والهوية والصحة النفسية.

ADVERTISEMENT
صورة بواسطة Google DeepMind على pexels

الأحلام كمختبر معرفي

إن فكرة أن الدماغ يكون مستيقظًا جزئيًا خلال بعض الأحلام تفتح آفاقًا جديدة لفهم كيفية تفكيرنا وتعلمنا وشفائنا. ولطالما اعتبرت الأحلام مساحة للتنفيس العاطفي والتعبير الرمزي والمعالجة اللاواعية. ولكن إذا كان الدماغ ينخرط في نشاط شبيه باليقظة أثناء النوم، فقد تكون الأحلام أيضًا بمثابة مختبر معرفي - مكان يجرب فيه العقل الأفكار ويتدرب على الأفعال ويحاكي النتائج. أظهرت الدراسات أن الأشخاص الذين يمارسون الأحلام الواعية يمكنهم تحسين المهارات الحركية وتقليل القلق وحتى تعزيز الإبداع. هذا يشير إلى أن الدماغ الحالم ليس سلبياً ولكنه منخرط بنشاط في حل المشكلات والتكيف. قد تكون حالة اليقظة الجزئية الملاحظة في أحلام نوم حركة العين غير السريعة آلية لدمج المعلومات الجديدة وتدعيم الذكريات والاستعداد للتحديات المستقبلية. وقد يفسر أيضًا ظواهر مثل التعلم أثناء النوم، حيث يمكن أن يؤثر التعرض للمحفزات أثناء النوم على السلوك عند الاستيقاظ. علاوة على ذلك، فإن لهذا البحث آثارًا على الصحة النفسية. فغالبًا ما تنطوي اضطرابات مثل اضطراب ما بعد الصدمة والاكتئاب والقلق على اضطراب النوم والأحلام المزعجة. إن فهم كيفية ومتى يصبح الدماغ مستيقظًا جزئيًا أثناء النوم يمكن أن يؤدي إلى علاجات موجهة تعدل محتوى الأحلام أو تعزز التنظيم العاطفي أو تعيد بنية النوم الصحية. لم تعد حالة الحلم صندوقًا أسود. إنها نافذة على أعمق وظائف الدماغ، وقد تكون يقظته الجزئية هي المفتاح لإطلاق كامل إمكاناته.

ADVERTISEMENT
صورة بواسطة Ivan Oboleninov على pexels

إعادة تعريف الوعي من خلال النوم

إن اكتشاف أن الدماغ يمكن أن يكون مستيقظًا جزئيًا أثناء الأحلام يفرض إعادة تقييم لما يعنيه أن تكون واعيًا. فتقليديًا، تم تعريف الوعي باليقظة والوعي الحسي والقدرة على التفكير. لكن الدماغ الحالم، وخاصة أثناء نوم حركة العين غير السريعة، يتحدى هذا التعريف. إنه يظهر أن الوعي يمكن أن يوجد في أجزاء، وأن الوعي يمكن أن يظهر في دوائر عصبية معزولة، وأن العقل يمكن أن يكون نشطًا حتى عندما يكون الجسم ساكنًا. وهذا له آثار عميقة على مجالات تتراوح من علم الأعصاب إلى الفلسفة إلى الذكاء الاصطناعي. إذا لم يكن الوعي ظاهرة شاملة أو لا شيء، بل تدرجًا، فيجب علينا إعادة التفكير في كيفية قياسه وكيفية تعريفه وكيفية تنميته. تشير حالة اليقظة الجزئية الملاحظة أثناء الأحلام إلى أن الدماغ قادر على التنظيم الذاتي، وعلى توليد تجارب متماسكة دون مدخلات خارجية. كما أنه يعني أن الوعي قد لا يتطلب مشاركة حسية كاملة أو تحكمًا حركيًا. وبدلاً من ذلك، قد ينشأ من الديناميكيات الداخلية، من التفاعل بين الذاكرة والعاطفة والخيال. بينما يواصل الباحثون استكشاف البصمات العصبية للأحلام، فإنهم لا يقتصرون على دراسة النوم فحسب، بل يرسمون أيضاً معالم العقل نفسه. فقد أصبحت حالة الحلم، التي كانت تُعتبر مجرد خيال في الماضي، تُعرف الآن كبعد حيوي من أبعاد التجربة الإنسانية. وفي حالة اليقظة الجزئية هذه، نلمح إمكانية أن يكون الوعي أكثر مرونة وقدرة على التكيف وأكثر غموضاً مما كنا نتخيله.

toTop