يُعتبر العصر الطباشيري واحدًا من أكثر العصور الجيولوجية إثارة في تاريخ الأرض، حيث شهد تحولات كبرى في الحياة والنظام البيئي، وانتهى بحدث ضخم غيّر شكل الكوكب إلى الأبد.
يمتد العصر الطباشيري لفترة زمنية طويلة ومهمة، ويُعد آخر عصور حقبة الدهر الوسيط التي تُعرف أيضًا باسم عصر الزواحف، وهي الحقبة التي حكمت فيها الديناصورات الأرض والمحيطات والسماء.
في هذا المقال، سنتعرف بشكل مبسّط وممتع على تفاصيل هذا العصر، وسبب تسميته، وأهم ما ميّزه من كائنات وأحداث غيّرت مجرى الحياة على كوكبنا.
العصر الطباشيري هو العصر الثالث والأخير من حقبة الدهر الوسيط، ويأتي بعد العصر الترياسي والعصر الجوراسي.
بدأ قبل حوالي 145 مليون سنة وانتهى قبل 66 مليون سنة تقريبًا، أي أنه استمر لما يقارب 79 مليون سنة، وهي فترة طويلة جدًا مقارنة بالعصور الجيولوجية الأخرى.
قراءة مقترحة
خلال العصر الطباشيري، شهدت الأرض تغيّرات ضخمة في المناخ، وتوزيع القارات، وتنوع الكائنات الحية. كانت القارات في تلك الفترة لا تزال في طور الانفصال عن بعضها بعد أن كانت متحدة في قارة واحدة ضخمة تُعرف باسم بانجيا (Pangaea). هذا الانفصال أدّى إلى تكوّن المحيطات الحديثة مثل الأطلسي والهندي.
كما كان المناخ في العصر الطباشيري دافئًا نسبيًا، حيث لم تكن هناك مناطق جليدية كما هو الحال اليوم. كانت الغابات تغطي مناطق واسعة من الأرض، والنباتات المزهرة ظهرت للمرة الأولى في هذا العصر، ما جعل البيئة أكثر تنوعًا وأقرب إلى شكلها الحالي.
قد يتساءل البعض: لماذا أُطلق عليه اسم "الطباشيري"؟
الجواب يكمن في نوع الصخور التي تكوّنت خلال تلك الفترة.
اسم "الطباشيري" مشتق من الكلمة اللاتينية "Creta" والتي تعني الطباشير، وهي مادة كلسية بيضاء تتكوّن أساسًا من بقايا الكائنات البحرية المجهرية التي تراكمت عبر ملايين السنين في قاع المحيطات.
في أوروبا، وخاصة في مناطق مثل إنجلترا وفرنسا، تُوجد طبقات سميكة من الصخور الطباشيرية التي تعود إلى هذا العصر، مثل منحدرات دوفر البيضاء الشهيرة في بريطانيا، والتي أصبحت رمزًا جيولوجيًا لهذا العصر.
إذًا، التسمية جاءت من انتشار هذه الصخور الطباشيرية في الطبقات الجيولوجية التي دُرست لاحقًا من قبل العلماء.
كانت الحياة خلال العصر الطباشيري غنية ومتنوعة.
فقد استمرت الديناصورات في السيطرة على اليابسة، بينما سادت الزواحف البحرية الضخمة البحار والمحيطات، وكانت هناك أيضًا طيور بدائية تطورت من الديناصورات الطائرة.
من أشهر الديناصورات التي عاشت في هذا العصر:
كما شهد العصر الطباشيري ظهور النباتات المزهرة لأول مرة في تاريخ الأرض، وهو حدث مهم جدًا لأنه غيّر شكل النظم البيئية وساهم في تطور أنواع جديدة من الحشرات والطيور التي اعتمدت على الأزهار في غذائها.
كان المناخ في العصر الطباشيري أكثر دفئًا من اليوم، ولم تكن هناك طبقات جليد على القطبين.
هذا المناخ الدافئ أدى إلى ارتفاع مستوى البحار، ما جعل مساحات كبيرة من القارات مغمورة بالمياه.
في بعض المناطق، تشكّلت بحار داخلية ضخمة، مثل البحر الذي كان يغمر جزءًا كبيرًا من أمريكا الشمالية في تلك الفترة.
أما النباتات، فقد كانت متنوعة جدًا، من الغابات الكثيفة إلى الأراضي العشبية والمناطق الساحلية.
هذا التنوع البيئي ساعد على ازدهار العديد من أنواع الحيوانات، بما في ذلك الثدييات الصغيرة التي بدأت بالظهور في نهاية العصر الطباشيري، والتي كانت بذور تطور الحيوانات الحديثة بعد ذلك.
يُعتبر ختام العصر الطباشيري من أكثر الأحداث تأثيرًا في تاريخ الكوكب، فقد شهد حدث انقراض جماعي أدى إلى اختفاء أكثر من 75% من الكائنات الحية على الأرض، بما في ذلك جميع الديناصورات (ما عدا الطيور التي تُعتبر أحفادها المباشرين).
العلماء يرجّحون أن سبب هذا الانقراض كان نتيجة اصطدام كويكب ضخم بالأرض في منطقة يوكاتان بالمكسيك الحالية، مما أدى إلى تكون فوهة ضخمة تُعرف باسم فوهة تشيكسولوب.
هذا الاصطدام أطلق كميات هائلة من الغبار والدخان إلى الغلاف الجوي، ما حجب أشعة الشمس لفترة طويلة وتسبب في انخفاض درجات الحرارة على الكوكب، فتوقفت النباتات عن النمو، وانهارت السلاسل الغذائية.
لكن من هذا الانقراض، بدأت الحياة من جديد، إذ ازدهرت الثدييات التي كانت صغيرة آنذاك، وبدأت بالانتشار والتطور حتى ظهرت في نهاية المطاف الكائنات التي نعرفها اليوم، ومن ضمنها الإنسان.
دراسة العصر الطباشيري لا تقتصر على معرفة الماضي فحسب، بل تساعد العلماء على فهم تطور الحياة والتغيّرات المناخية عبر الزمن.
من خلال دراسة الصخور والرواسب الأحفورية، يستطيع الباحثون استنتاج كيف كانت الأرض قبل ملايين السنين، وكيف أثّرت الكوارث الطبيعية في تشكيلها.
كما أن فهم ما حدث في نهاية العصر الطباشيري يُعطينا دروسًا عن تأثير التغيّرات البيئية المفاجئة، وكيف يمكن أن تؤثر على مستقبل الحياة على الأرض.
يمكن القول إن العصر الطباشيري كان مرحلة محورية في تاريخ الأرض، مليئة بالحياة والتحولات.
فهو العصر الذي شهد ازدهار الديناصورات ونهاية عصرها، وظهور النباتات المزهرة، وتكوّن القارات الحديثة، وبدء شكل الأرض الذي نعرفه اليوم.
من خلال دراسته، نستطيع أن نفهم أن الحياة على كوكبنا ليست ثابتة، بل هي سلسلة من التغيّرات المستمرة، وأن كل نهاية تحمل في طياتها بداية جديدة.
فالعصر الطباشيري لم يكن مجرد حقبة جيولوجية، بل كان فصلًا مهمًا من قصة الأرض التي ما زالت تُكتب حتى الآن.
دليلك للتخطيط لرحلة بميزانية محدودة
7خطوات للتخلص من العادات السيئة
اللحم المفروم: 6وصفات من المطبخ العربي
الباييا الإسبانية: سيمفونية الأرز والنكهات التي تجمع البحر والأرض
وقت الديك الرومي في جنوب كاليفورنيا: روعة الطيور الأمريكية المتلألئة
بالاو: وجهة الأحلام لعشاق الغوص
صوت ستيفن هوكينج الأبدي
هل يمكننا أن نشعل شرارة "العصر الذهبي" الجديد للمضادات الحيوية؟
أسرع بـ 200 مرة: كاميرا جديدة تحدد الأجسام بسرعة الضوء، ويمكنها مساعدة السيارات ذاتية القيادة
هل مراكش جاهزة لأن تصبح الوجهة الفنية المثالية بين الثقافات المختلفة؟










