لماذا يتشتّت انتباهك بسهولة - وما يحاول عقلك إخبارك به

ADVERTISEMENT

تجلس لتركّز — ربما على تقرير أو كتاب أو رسالة بريد إلكتروني بسيطة — وفي غضون دقائق، تكون قد تحقّقت من هاتفك أو فتحت علامة تبويب أخرى أو تساءلت عما ستعده للعشاء. لا يعني تشتّت الانتباه أنك كسول أو غير منضبط؛ بل إن دماغك مبرمج على الشرود.

في عصر لا نهاية فيه للرسائل الصوتية والمنشورات والإشعارات، أصبح التشتت رد فعل لا إراديًا تقريبًا. ولكن في حين أن التكنولوجيا تضخمه، فإن جذور التشتت أعمق من ذلك — فهي تمتد إلى علم الأحياء وعلم النفس وحتى العواطف. نقدّم في هذه المقالة أسباب سهولة تشتت الانتباه، وما يعنيه ذلك حقًا.

1. دماغك مصمم للتشتت:

التشتت ليس أمرًا جديدًا. قبل ظهور الهواتف الذكية بوقت طويل، كان البشر ينصرفون بسهولة عن المهمة التي يقومون بها. شكلت التطورات أنظمة انتباهنا من أجل البقاء، وليس التركيز؛ فقد

ADVERTISEMENT

كان على أدمغة أسلافنا أن تراقب البيئة باستمرار — لتستمع إلى أصوات المفترسات، وتتتبع تغيرات الطقس، وتبقى متيقظة للفرص. كانت هذه اليقظة ضرورية للتكيف في عالم برّي لا يمكن التنبؤ به. نفس الدوائر العقلية التي أبقتنا على قيد الحياة في الماضي تجعل من الصعب علينا الآن تجاهل أي صوت أو صفير.

عندما يضيء هاتفك، فإنه يطلق نفس نظام الإنذار الذي كان يستجيب في الماضي لطقطقة الأغصان في الغابة. لا يميز الدماغ بين التهديد المحتمل والإشعار الاجتماعي — كلاهما يبدو عاجلاً.

الصورة بواسطة Jupiterimages, Brand X Pictures على freeimages

دماغ الإنسان مصمم ليستجيب للمشتّتات

2. حلقة الدوبامين - دماغك يحب الأشياء الجديدة:

هناك سبب آخر يجعل من الصعب مقاومة التشتيت، وهو يكمن في كيمياء دماغك. في كل مرة تصادف فيها شيئًا جديدًا — رسالة، عنوان، إعجاب — يفرز دماغك كمية صغيرة من الدوبامين، وهو الناقل العصبي المرتبط بالمكافأة والتوقع.

ADVERTISEMENT

على عكس الاعتقاد الشائع، لا يتعلق الدوبامين بالمتعة في حد ذاتها، بل بالبحث عنها. إنه يحفّز الفضول والاستكشاف والرغبة في المزيد. وهذا يجعل التشتيت إدمانًا بطبيعته.

على سبيل المثال، توفّر وسائل التواصل الاجتماعي سلسلة من المكافآت غير المتوقعة، وتساؤلات من مثل ”هل سأرى شيئاً مثيراً للاهتمام؟“، وهي التي تحافظ على استمرار حلقة الدوبامين، ما يشجعك على الاستمرار في التحقق.

3. فائض المعلومات - الازدحام المعرفي:

نحن نعيش في عصر الوصول غير المسبوق إلى المعلومات. يستهلك الشخص العادي اليوم خمسة أضعاف البيانات التي كان يستهلكها في الثمانينيات. تتنافس رسائل البريد الإلكتروني والأخبار ومقاطع الفيديو والرسائل على مساحة في ذاكرتنا العاملة — ”المفكرة“ العقلية الصغيرة التي نستخدمها لتخزين المعلومات ومعالجتها.

الذاكرة العاملة لها سعة محدودة — تقريبًا ما يعادل عقليًا التلاعب بسبع كرات. عندما يغمر النظامَ عددٌ كبيرٌ من المدخلات، فإنه يتعطل. نحن ننتقل بين المهام ليس لأننا نريد ذلك، ولكن لأن أدمغتنا مثقلة بالأعباء.

ADVERTISEMENT

4. التشتّت الانفعالي - عندما تختطف المشاعر التركيز:

لا تأتي كل عوامل التشتيت من العالم الخارجي، بل ينشأ بعضها من الداخل. عندما تكون قلقًا أو حزينًا أو متوترًا، فإن الجهاز الحوفي في دماغك — مركز الانفعالات والعواطف — يأخذ الأسبقية على القشرة الأمامية الجبهية العقلانية والموجهة نحو الأهداف.

هذا الصراع الداخلي يجعل من الصعب التركيز. قد تجد نفسك تعيد قراءة نفس الجملة لأن عقلك يستمر في العودة إلى جدال أو موعد نهائي أو قلق.

5. خرافة تعدد المهام:

قد تعتقد أنك قادر على القيام بعدة مهام في وقت واحد — الرد على رسائل البريد الإلكتروني أثناء كتابة تقرير أو إرسال رسائل نصية أثناء الدراسة. لكن علم الأعصاب يقول عكس ذلك.

الدماغ لا يقوم بمهام متعددة؛ بل ينتقل من مهمة إلى أخرى. كل انتقال يكلف وقتًا وطاقة معرفية. وجدت أبحاث من جامعة ستانفورد أن الأشخاص الذين يقومون بمهام متعددة بشكل متكرر يكون أداؤهم أسوأ في اختبارات التركيز والذاكرة، ويصرف انتباههم بسهولة أكبر حتى عندما يحاولون التركيز.

ADVERTISEMENT

في كل مرة تنتقل فيها من مهمة إلى أخرى، يحرق دماغك الجلوكوز والأكسجين — وهما الوقود الأساسي له. الأمر أشبه بتسريع محرك سيارتك بشكل متكرر بدلاً من القيادة بهدوء. وبمرور الوقت، يؤدي هذا التبديل المستمر إلى إرهاق عقلي يتنكر في شكل ضعف في الإنتاجية.

الصورة بواسطة e j على unsplash

عدد المهام: خرافة تستهلك الوقت والطاقة

6. البيئة ومصائد الانتباه:

تلعب البيئة المادية المحيطة بك أيضًا دورًا قويًا في تشكيل الانتباه.

الضوضاء والفوضى والانحرافات البصرية تقلل التركيز بشكل خفي. على سبيل المثال، ثبت أن تصميمات المكاتب المفتوحة تقلل الإنتاجية بنسبة تصل إلى 15٪، لأن الدماغ يراقب باستمرار الأصوات والحركات في الخلفية.

وبالمثل، فإن وجود هاتفك في متناول يدك — حتى لو كان مقلوبًا وصامتًا — يقلل من القدرة الإدراكية المتاحة. وجدت دراسة من جامعة تكساس أن أداء المشاركين في مهام الذاكرة كان أسوأ بكثير عندما كانت هواتفهم قريبة منهم مقارنةً بوجودها في غرفة أخرى.

ADVERTISEMENT

بمعنى آخر، مجرد معرفة وجود الهاتف كافٍ لتشتيت ذهنك.

7. الدماغ الاجتماعي:

البشر كائنات اجتماعية. طوال معظم تاريخنا التطوري، كان فقدان إشارة اجتماعية يعني الاستبعاد أو الخطر. لهذا السبب تبدو الإشعارات الاجتماعية عاجلة — حيث يفسرها دماغك على أنها إشارات انتماء.

هذا الخوف من التفويت، أو من الغياب، ليس تافهًا؛ فهو يستغل حاجتنا العميقة للتواصل والتأكيد. يستغل العالم الرقمي الحديث هذا الغريزة، ويقدم حلقات تغذية راجعة اجتماعية مستمرة — الإعجابات والتعليقات والرسائل — التي تحفز نفس دوائر المكافأة مثل التفاعل الجسدي.

هذا ليس ضعفًا أخلاقيًا؛ إنه التقاء علم الأعصاب بالتكنولوجيا.

الصورة بواسطة Sirichai Puangsuwan على vecteezy

الإنسان كائن اجتماعي بطبعه

الخاتمة:

إذا كان انتباهك يتشتت بسهولة، فهذا يعني أن دماغك يقوم بالضبط بما تطور للقيام به — الاستجابة للتغيير، والبحث عن الجديد، والبقاء في حالة تأهب للإمكانيات.

ADVERTISEMENT

التحدي في الحياة العصرية ليس الانتباه بحد ذاته، بل إدارة وفرة المعلومات والعواطف والمحفزات. التركيز لم يعد أمرًا مفروغًا منه؛ إنه مهارة.

ومثل أي مهارة أخرى، يمكن تدريبها — ليس عن طريق إسكات العالم، بل عن طريق تعلم الاستماع إلى ما يطلبه عقلك المتشتت حقًا: الراحة والمعنى والتوازن.

toTop