في عالم الأعاجيب العلمية، قليلة هي الأشياء التي تأسر الخيال مثل القدرة على التلاعب بالضوء. في إنجاز يبدو وكأنه مأخوذ من الخيال العلمي، حقق باحثون من جامعة فلورنسا والمركز الوطني للموارد الطبيعية في إيطاليا ما كان يُعتبر مستحيلاً في السابق: فقد أوقفوا الضوء أثناء رحلته، وخزنوا معلوماته الكمية في بلورة، ثم أطلقوها سليمة - كل ذلك في غضون جزء من الثانية. وتمثل هذه التجربة، التي نُشرت في مجلة Nature، قفزة محورية نحو التقنيات الكمية العملية.
عرض النقاط الرئيسية
هذا الإنجاز الاستثنائي لا يتحدى فهمنا للكون فحسب، بل يفتح أيضًا عالمًا من الاحتمالات للتقانة والأبحاث المستقبلية. تخيل أن تلتقط لحظة في الزمن، وتثبتها في مكانها، ثم تطلقها مرة أخرى إلى تدفق الوجود. هذا هو الحد السحري الذي عبره الباحثون، مع ما يترتب على ذلك من آثار يتجاوز صداها حدود المختبر.
قراءة مقترحة
يتكون الضوء من فوتونات عديمة الكتلة، والتي تتحرك دائمًا بسرعة 299,792 كم/ثانية (سرعة الضوء في الخلاء). من أجل ”تجميده“، كان على العلماء أن يخدعوا الضوء ليقف ساكناً دون أن يتم امتصاصه أو تدميره. تعتمد هذه التجربة على أعمال سابقة، ولكنها تقدم كفاءات جديدة وتطبيقات محتملة في العالم الحقيقي.
- 1999: أبطأ لين هاو (Lene Hau)، من جامعة هارفارد الضوء إلى 17 م/ثانية، باستخدام مكثفات بوز-آينشتاين (BEC Bose-Einstein Condensate) وهو حالة من حالات المادة تنشأ عند تبريد غاز من البوزونات منخفضة الكثافة جدًا إلى درجات حرارة قريبة جدًا من الصفر المطلق.
- 2001: قام فريقان (فريق هاو وفريق رونالد ولسورث Ronald Walsworth) بإيقاف الضوء بالكامل عن طريق تحويله إلى استثارات ذرية.
- 2013: خزن العلماء الألمان الضوء لمدة دقيقة واحدة داخل بلورة - وهو رقم قياسي في ذلك الوقت.
- يستخدَم مكثف بوز-أينشتاين، حيث تتحرك الذرات ببطء.
- يسلَّط ضوء الليزر في المكثف، فتتزاوج فوتوناته مع الذرات، ما يخلق جسيمات تدعى بولاريتون، وهي جسيمات تحمل معلومات الضوء ولكنها تتحرك ببطء.
- تمتص الذرات النبضة الضوئية بالكامل بوساطة الذرات، وتطبع حالتها الكمية على سبينها.
- تتوقف الفوتونات عن الوجود، ولكن يتم الاحتفاظ بمعلوماتها - مثل تجميد فيلم في قرص DVD.
- يعيد ليزر ثانٍ تنشيط السبين الذري، محولاً البيانات المخزنة مرة أخرى إلى فوتونات.
- وتخرج النبضة الضوئية سليمة، كما لو أنها لم تتوقف أبداً.
- بلورة الذاكرة الكمومية (تلعب دور المصيدة): بلورة مصممة خصيصاً من مادة أورثوسيليكات الإيتريوم المشابة باليوروبيوم، ويمكن للبنية الذرية للبلورة أن ”تستضيف“ الحالة الكمومية للضوء بشكل مؤقت. تتمتع إلكترونات هذه المادة بأزمنة تماسك طويلة بشكل غير عادي، ما يحافظ على المعلومات الكمية لفترة أطول من البدائل.
- التحكم بالليزر: نبضات ليزر دقيقة لحبس الضوء واسترجاعه.
- الشفافية المستحثة كهرومغناطيسياً (Electromagnetically Induced Transparency أو EIT اختصارًا) (تلعب دور زر الإيقاف المؤقت): يعمل ليزر التحكم على جعل البلورة المعتمة شفافة فقط لنبضة ضوئية محددة، والتي يتم تخطيطها بعد ذلك على السبين الذري للبلورة. وهذا يشابه تجميد شكل الموجة في الجليد، ثم إذابتها لاحقًا لتستمر الموجة.
- ليزر الاسترجاع (يلعب دور زر التشغيل): نبضة ليزر ثانية تعكس العملية، وتعيد بناء النبضة الضوئية الأصلية بدقة أكبر من 95%.
تشمل التطبيقات المحتملة ما يلي:
الحوسبة الكمومية: تخزين الكيوبتات في الأنظمة القائمة على الضوء.
الاتصالات الآمنة: تتطلب الشبكات الكمومية عقدَ ذاكرة لتخزين وترحيل الفوتونات المتشابكة. يمكن لهذا النظام البلوري أن يعمل كمكرر، ما يتيح وصلات عالمية آمنة كمومياً، حيث تجمَّد المعلومات أثناء الإرسال. على سبيل المثال، يستخدم القمر الصناعي الصيني Micius بالفعل التشفير الكمومي - ولكنه يفتقر إلى تخزين الضوء على المدى الطويل.
محاكاة الفيزياء الفلكية: اختبار سلوك الضوء في البيئات القاسية (على سبيل المثال، بالقرب من الثقوب السوداء).
على الرغم من أن هذه التجربة تعد قفزة كبيرة، إلا أنه لا تزال هناك عقبات:
تمديد وقت التخزين: من ميلي ثانية إلى ثوانٍ (أو أكثر).
التشغيل في درجة حرارة الغرفة: تتطلب الأنظمة الحالية تبريدًا شديدًا (-269 درجة سلزيوس، وهي 4 درجات فقط فوق الصفر المطلق).
دقة الاسترجاع: يجب أن تقترب دقة الاسترجاع من 100٪ لأنظمة كمومية خالية من الأخطاء.
قابلية التوسع: دمج ذلك في الأجهزة الكمية العملية.
ويتعاون الفريق الإيطالي الآن مع المبادرات الأوروبية الرائدة في مجال الكم لتحسين التقنية. ويخطط لاختبار مصفوفات بلورية أخرى (على سبيل المثال، المواد المشابة بالبراسيوديميوم)، إضافةً إلى دمج النظام مع شبكات الألياف الضوئية الحالية.
لم تعد القدرة على تجميد الضوء وإحيائه مجرد نظرية، بل أصبحت واقعاً له آثار عميقة. وهو بوابة للتقنيات الكمية التي لا يمكننا تخيلها بعد. ومع تقدم الشبكات الكمية والحوسبة، قد يُذكر هذا الإنجاز الإيطالي كلحظة محورية في التحكم في الضوء على المستوى الكمي. وكما قال عالم فيزياء الكم أنطون زيلينجر ذات مرة: ”إذا كان بإمكانك التحكم في الضوء، فإنك تتحكم في الكون“. هذه التجربة تقربنا خطوة واحدة من ذلك.
من الوقود إلى الكهرباء: هل بدأ العد التنازلي لانقراض محركات البنزين في الشرق الأوسط؟
يتعلم الأطفال اللغة في وقت أبكر بكثير مما كنا نعتقد
مقبرة الأمير وسر-إف-رع: نافذة على الأسرة الخامسة المصرية وإرثها الحضاري
أفضل الأماكن الطبيعية والحدائق بالعراق
مغامرة في بونتا غورا: وجهة لمحبي الطبيعة والتاريخ
السعودية تفوز بالجائزة الكبرى وتُحقق رقماً قياسياً في معرض جنيف للاختراعات: سردية عالمية ووطنية للابتكار
كيف يمكن لمدارس إدارة الأعمال أن تثبت أنها تحدث تأثيرًا إيجابيًا على المجتمع
اكتشف عمّان: العاصمة الأردنية النابضة بالحياة والتاريخ
شراء سيارة مستعملة: خطوات ذكية لتجنب المفاجآت المكلفة
ميلة الساحرة: رحلة عبر الزمن بين الطبيعة والتاريخ