عندما تدخل معرض ”مصر الإلهية“ (Divine Egypt)، أحدث معرض لمتحف المتروبوليتان للفنون، تشعر بأن الهواء نفسه مشحون — اهتزاز هادئ يبدو أنه ينبض من الماضي. تلمع التماثيل الذهبية في الضوء الخافت؛ وتلتقي عيون حورس الصقر بنظرك عبر آلاف السنين. لقد عادت آلهة النيل إلى نيويورك، ولديها الكثير لتكشف عنه.
افتٌتح معرض ”ديفاين إيجيبت“ في 12 أكتوبر / تشرين الأول 2025، ويستمر حتى 16 يناير / كانون الثاني 2026. وهو أول معرض مصري كبير لمتحف المتروبوليتان منذ أكثر من عقد من الزمان — رحلة طموحة وغامرة عبر ثلاثة آلاف عام من الفن والطقوس والمعتقدات. مع أكثر من 250 عملاً من مقتنيات المتحف نفسه، وكذلك من استعارات من متاحف دولية، يستكشف المعرض سؤالاً أساسياً: كيف جعل المصريون القدماء الإلهي مرئياً؟
قراءة مقترحة
مدخل متحف المتروبوليتان للفنون
تقول ديانا كريج باتش، أمينة متحف المتروبوليتان للفنون المسؤولة عن الفن المصري: ”لم يقتصر المصريون على عبادة آلهتهم فحسب. بل بنوا أنظمة معنوية شكلت فيها الألوهية كل جانب من جوانب الحياة“.
بدلاً من تتبع التسلسل الزمني المألوف للأسر الحاكمة والفراعنة، يركز معرض ”مصر الإلهية“ على الشخصيات ذاتها: من حورس ذي رأس الصقر إلى حتحور ذات الأذنين البقريتين، ومن أوزيريس، الملك الذي بعث من الموت، إلى اللبؤة سخمت، إلهة الغضب والشفاء. كان كل واحد منهم قوة حية، وليس رمزًا ثابتًا.
هذه المقاربة التنظيمية تغير التجربة. فالآلهة ليست آثارًا خلف الزجاج، بل حضور حي، مجسد في الحجر والذهب والخزف. كل تمثال وتميمة كان في يوم من الأيام أداة للعبادة — جسرًا بين البشر والآلهة.
الإلهة حتحور ذات الأذنين البقريتين
يتكشف المعرض حسب الموضوع وليس حسب التسلسل الزمني، ويدعو الزوار للتجول في خمسة عوالم من الإيمان القديم.
في ”التعبير عن الإلهي“، تكشف التماثيل النحتية للآلهة عن التوتر بين التجريد والشخصية. ينبثق الهدوء من تمثال بتاح المصنوع من الجرانيت الأسود، بينما يستحضر تمثال آمون رع الذهبي، المستعار من متحف اللوفر، روعة مواكب المهرجانات التي كانت تتألق في شوارع طيبة.
يركز قسم ”حكم الكون“ على رع، إله الشمس، ورحلته اليومية عبر السماء - وهي استعارة عن الخلق والبعث. تصور النقوش الملونة من كتاب الموتى رحلته المحفوفة بالمخاطر عبر العالم السفلي قبل عودته المنتصرة عند الفجر.
يقدم قسم ”خلق العالم“ أساطير خلق متعددة: بتاح يخلق الكون من خلال الفكر والكلام؛ خنوم يصنع البشرية من الطين على عجلة الخزاف. تُظهر هذه القصص المتداخلة حضارة مرتاحة للتعقيد — حضارة كانت تنظر إلى الألوهية على أنها طيف، وليس هرمية.
يقرب ”التعامل مع الحياة“ المشاهد من الدائرة المنزلية. تكشف المذابح الصغيرة والتمائم الواقية والتماثيل الطينية كيف كان المصريون العاديون يدعون الحماية الإلهية إلى منازلهم. وتبتسم صورة من الفخار للإله بيس، إله الولادة القزم.
أخيرًا، يقودنا ”التغلب على الموت“ إلى عالم أوزيريس وأنوبيس وإيزيس المتلألئ — آلهة البعث. يُظهر جزء من تابوت مذهّب إلهة السماء نوت وهي تبتلع الشمس كل ليلة حتى تولد من جديد كل صباح. الرسالة أبدية: الموت هو تحول، وليس نهاية.
أنوبيس، إلهة ما بعد الموت
تكمن عبقرية الفن المصري في قواعده البصرية — رموز تجعل ما هو غير مرئي ملموسًا. لم يكن من الممكن أبدًا تصوير الآلهة مباشرة؛ بل تم التعبير عنها من خلال الرموز: التيجان والألوان والحيوانات والإيماءات.
كان الذهب جسد الآلهة؛ واللازورد لون الخلود. كان الصقر يرمز إلى الرؤية والسيادة؛ والثور إلى القوة الإبداعية. حتى أبسط قلادة على شكل خنفساء أو زهرة لوتس كانت تحمل معنى ميتافيزيقيًا. هذه الفلسفة تقلب مفهوم الغرب للفن باعتباره جمالًا ثابتًا. بالنسبة للمصريين، كان صنع صورة يعني استدعاء إله إلى الوجود.
وسط العظمة، تجد مصر الإلهية أيضًا الحميمية. تميمة طفل لتاويرت، إلهة الولادة؛ رسالة على ورقة بردي إلى أحد الأحباء المتوفين؛ أجزاء من الترانيم التي كانت تُغنى في ساحات المعابد — هذه البقايا الهشة تهدم القرون.
وجودها يذكرنا بأن رؤية المصريين الكونية كانت متجذرة في الحياة اليومية. في هذه الأشياء التي تعبر عن الولاء، نلمح مشاعر تبدو خالدة: الرهبة، الخوف، الامتنان، الحب.
ويعمق تصميم المعرض هذا الإحساس باللقاء المقدس. تذكر الغرف المضاءة بإضاءة خافتة بداخل المعابد؛ وتتدفق الهيروغليفية المعروضة على الجدران كأنها صلوات حية. تضع الأصوات الخافتة — رياح الصحراء، تموج الماء، همهمة الترانيم القديمة — الزائر في إيقاع النيل نفسه، شريان الحياة للآلهة والبشر على حد سواء.
ما يجعل معرض ”مصر الإلهية“ مؤثرًا بشكل خاص هو تصويره للدين كنظام متطور وليس كأثر متجمد. على مر القرون، اندمجت الآلهة وتغيرت وتكيفت — ما يعكس ثقافة في حوار مستمر مع التغيير.
من خلال تسليط الضوء على هذه المرونة، يربط المعرض بين الماضي والحاضر. الآلهة المصرية، التي تغير شكلها باستمرار، تعكس بحثنا الحديث عن الهوية والاستمرارية في عالم متغير.
بالنسبة لمتحف المتروبوليتان، يشير المعرض أيضًا إلى التجديد. يستخدم قسم الفن المصري الشهير معرض ”مصر الإلهية“ لإعادة تصور كيف يمكن للحضارات القديمة أن تخاطب الجمهور المعاصر. وتلتقي الدراسات الأكاديمية مع سرد القصص؛ والتقديس مع سهولة الوصول.
من بين الكنوز العديدة المعروضة:
• ثلاثية أوزيريس وإيزيس وحورس، مصنوعة من الذهب واللازورد، تتوهج كما لو كانت مضاءة من الداخل — رمز للولادة الجديدة والانسجام الإلهي.
• تمثال لسخمت، منحوت من الديوريت الداكن، يجسد الهدوء والوحشية: إلهة تدمر لتشفي.
• تمثال برونزي لتحوت، على شكل طائر أبو منجل، رمز الحكمة والكتابة، ريشه منحوت بدقة مذهلة.
• لوحة مرسومة لعاشق، راكع أمام أوزيريس، مغطاة بطلبات هيروغليفية — صلاة شخصية محفوظة بالألوان.
تشهد كل قطعة على عالم لم يكن فيه الفن مجرد جمال — بل كان حياً.
حورس، الإله الصقر
في النهاية، لا يتعلق معرض ”مصر الإلهية“ بالماضي بقدر ما يتعلق بالدافع البشري الدائم لإيجاد معنى. إنه يسأل: ما الذي نعبده؟ ما الذي نؤمن بأنه يدوم؟ كيف نعطي شكلاً للغير مرئي؟
تقول باتش: ”لم تكن آلهتهم منفصلة عنهم. كانت الهواء والماء والضوء — الأشياء التي جعلت الحياة ممكنة“.
في عصر غالبًا ما يتميز بالانفصال، تذكرنا هذه الصور القديمة أن التبجيل كان يربط بين الفن والطبيعة والروح. لم يكن عالم المصريين مجرد عالم يُرى — بل كان عالمًا مفعمًا بالروح.
الثقافة اللبنانية: الموسيقى و المطبخ والرقص
السويداء، مدينة الواحات في سوريا
لماذا ترفع البيض نسبة الكوليسترول لدى بعض الناس ولا ترفعها لدى آخرين؟
تيمور غراني يجلب مساحة مشروع "رشيقة وتجريبية" إلى دبي
إعادة النظر في تجربة الخطمي الشهيرة: الأطفال أكثر ميلاً لتأخير الإشباع إذا وعدهم أقرانهم بالانتظار أيضاً
الرياضيون العرب يعيدون صياغة الرياضة العالمية - ويلهمون جيلاً كاملاً
مدينة بليتفيتش: تجربة مائية ساحرة في قلب كرواتيا
10 من أعظم وأشهر المطربين اللبنانيين
بوسان: مدينة الشواطئ والأسواق البحرية في قلب الجنوب الكوري
ما هو السبب الرئيسي لمتلازمة التعب المزمن؟










