لبنان، البلد الصغير جغرافيًا، الكبير في تنوعه وسحره الطبيعي، يحمل في طياته مفاجآت لا تنتهي. فعلى بُعد ساعة واحدة من شاطئ البحر الأبيض المتوسط، يمكن للزائر أن ينتقل من السباحة تحت أشعة الشمس إلى التزلج فوق قمم الثلوج البيضاء. هذا التناقض المذهل جعل لبنان يُعرف بـ "سويسرا الشرق"، لما يتميز به من جبال شامخة ومنتجعات فاخرة وأجواء أوروبية الطابع.
تاريخ التزلج في لبنان يعود إلى بدايات القرن العشرين، حين اكتشف المغتربون العائدون من أوروبا إمكانية ممارسة هذه الرياضة في جبال فاريا ومزار كفردبيان والأرز. ومنذ ذلك الحين، أصبحت هذه الرياضة جزءًا من هوية الشتاء اللبناني، تجذب الزوار من مختلف أنحاء العالم للاستمتاع بتجربة لا تُشبه سواها.
يتميّز لبنان بمناخه الفريد الذي يسمح بتساقط الثلوج على المرتفعات لأشهر عدة في السنة، مما جعل من التزلج نشاطًا شائعًا بين اللبنانيين والسياح على حد سواء. ومع مرور العقود، تحولت منتجعات التزلج إلى رمزٍ للرفاهية والسياحة الشتوية، تجمع بين الرياضة، المناظر الخلابة، والضيافة اللبنانية المعروفة بحيويتها.
قراءة مقترحة
تُعتبر سلسلة جبال لبنان الغربية العمود الفقري لرياضة التزلج في البلاد، إذ تمتد من الشمال إلى الجنوب وتضم قممًا يتجاوز ارتفاعها 3000 متر، مثل جبل المكمل والقرنة السوداء. هذه الجبال المكسوة بالثلوج من ديسمبر حتى أبريل، توفر بيئة مثالية لعشاق التزلج على الجليد، سواء للمحترفين أو للهواة.
من أبرز ما يميز هذه الجبال هو قربها من البحر، مما يخلق مشهدًا نادرًا في العالم: منظر البحر الأزرق في الأفق أثناء الانزلاق على المنحدرات البيضاء. هذا التناقض الجغرافي يجعل التزلج في لبنان تجربة لا تُنسى، حيث يمكن للزائر أن يعيش فصلين في يوم واحد – الشتاء فوق الجبل والصيف على الساحل.
إضافة إلى جمال الطبيعة، تتمتع الجبال اللبنانية ببنية تحتية متطورة نسبيًا، إذ تحتوي على مصاعد كهربائية ومراكز تدريب حديثة. كما تُقام فيها مسابقات محلية ودولية، ما يعزز مكانة لبنان كوجهة رياضية وسياحية رائدة في الشرق الأوسط.
لجبال لبنان المغطاة بالثلوج
يضم لبنان سبعة منتجعات تزلج رئيسية تتوزع على مختلف مناطقه الجبلية، أبرزها فاريا – مزار كفردبيان، الأرز في بشري، اللاك لوك في الزعرور، وجبل صنين. كل منتجع يتميز بطابع خاص يجمع بين المغامرة والراحة.
يُعد فاريا مزار كفردبيان الأشهر والأكبر في الشرق الأوسط، إذ يمتد على أكثر من 80 كيلومترًا من المنحدرات، ويضم مرافق حديثة، وفنادق راقية، ومطاعم تقدم أشهى المأكولات اللبنانية والعالمية. يجذب هذا المنتجع آلاف الزوار سنويًا، من اللبنانيين والمغتربين والسياح الأجانب، الباحثين عن مزيج بين المتعة الرياضية والترف السياحي.
أما منتجع الأرز فهو الأقدم في لبنان، ويتميّز بطابعه التاريخي وموقعه في شمال البلاد بالقرب من غابة الأرز الشهيرة. يشتهر المنتجع بأجوائه العائلية وممراته الطويلة المناسبة للتزلج لمسافات ممتدة. كما يتمتع بخصوصية فريدة تجعل منه وجهة محببة لعشاق الهدوء والطبيعة النقية.
صورة بانورامية لجبال لبنان
أصبحت رياضة التزلج في لبنان جزءًا من الثقافة الوطنية، فهي ليست فقط نشاطًا شتويًا، بل أسلوب حياة يجمع بين العائلة والأصدقاء في أجواء احتفالية. كثير من اللبنانيين ينظرون إلى عطلات التزلج كطقس سنوي يجسد روح التفاؤل والحياة رغم التحديات.
تُساهم منتجعات التزلج في دعم الاقتصاد المحلي من خلال خلق فرص عمل في مجالات الضيافة، النقل، التدريب، والتجارة. كما أصبحت وجهة مفضلة للمغتربين الذين يعودون إلى بلادهم لقضاء فصل الشتاء بين الجبال.
تُقام في لبنان مهرجانات سنوية مثل "مهرجان فاريا الشتوي" الذي يجمع بين العروض الرياضية والموسيقية، ما يعكس الطابع الحيوي للثقافة اللبنانية التي تمزج بين الرياضة والفن والضيافة. كذلك، تسعى الجمعيات المحلية إلى نشر الوعي البيئي وتشجيع السياحة المستدامة للحفاظ على الجبال من التلوث والتوسع العمراني.
المتزلجين في لبنان
رغم التحديات الاقتصادية والسياسية، يواصل لبنان الحفاظ على مكانته كواحدة من أجمل وجهات التزلج في المنطقة. فالمشهد الطبيعي، والتاريخ العريق، والضيافة الودية تجعل تجربة التزلج فيه فريدة من نوعها. في الوقت الذي يبحث فيه السياح عن أماكن جديدة تجمع بين الأصالة والحداثة، يقدم لبنان تجربة غنية بالثقافة والمناظر الطبيعية الخلابة.
كما أن قربه الجغرافي من أوروبا والشرق الأوسط يجعله وجهة مفضلة للمسافرين الذين يرغبون في قضاء عطلة شتوية قصيرة. ويعمل القطاع السياحي على تطوير خدمات النقل والإقامة لتلبية متطلبات الزوار الدوليين، مع التركيز على السياحة البيئية والمغامرات الجبلية.
لبنان اليوم يسعى لإعادة إحياء دوره الريادي في السياحة الشتوية من خلال حملات ترويجية وشراكات دولية، لأن جباله ليست فقط مكانًا للتزلج، بل رمزًا للصمود والجمال والفرح في قلب الشرق الأوسط.
رابط صورة لمتزلج يطل على البحر من جبال لبنان
التزلج في لبنان ليس مجرد نشاط رياضي، بل رحلة في قلب الجمال الطبيعي والتاريخ الثقافي. إنه توازن مثالي بين المغامرة والهدوء، بين بياض الجبال وزرقة البحر، بين الحداثة وروح الضيافة اللبنانية الأصيلة.
ففي كل موسم شتاء، تتزين قمم لبنان بالثلوج التي تجذب الزوار من كل حدب وصوب، ليكتشفوا بلدًا صغيرًا في المساحة، كبيرًا في التجربة. بين منحدرات فاريا والأرز وصنين، تتجسد روح لبنان التي لا تعرف التوقف، رغم كل ما يمر به من صعوبات.
لبنان، بحق، هو المكان الذي يجمع بين الشرق والغرب، بين البحر والجبل، وبين الفرح والتحدي. ومن يزور منتجعاته الشتوية، يدرك أن لقب “سويسرا الشرق” لم يُمنح عبثًا، بل لأنه وطن يستطيع أن يقدم لزواره ما يفوق التوقعات: تجربة تزلج لا تُنسى، في قلب الطبيعة وسحر الشرق.
هل هناك ما يكفي من الأرض لإطعام العالم وتخزين الكربون؟
ثيبوديان (ثييب)، الطبق الوطني الموريتاني: الخصائص والتقاليد
بورسعيد ضد بورفؤاد: مدينتان، واحدة في أفريقيا وأخرى في آسيا، يفصل بينهما قناة السويس
التعاون بين عُمان واليابان في مواجهة التحديات البيئية.
7 عادات تبدو كأنها انضباط ذاتي لكنها في الواقع متجذرة في الخجل
عسر الحساب: كل ما تحتاج أن تعرفه عنه
كيف يتم الاحتفال بعيد الفطر المبارك في جميع أنحاء العالم؟
اكتشف العلماء قمرًا جديدًا صغيرًا حول كوكب أورانوس باستخدام تلسكوب جيمس ويب الفضائي
عادةً ما يُظهِر الأشخاص الذين يصبحون أثرياء في وقت لاحق من حياتهم هذه العادات اليومية
اتجاهات سوق السيارات الفاخرة في الشرق الأوسط










