في صباح أحد الأيام، تلاحظه في المرآة: خيط فضي واحد يلمع بين البقية. شعرة بيضاء. يبدو الأمر وكأنه إشارة — إشارة هادئة، حتمية، غريبة في وقارها. ولكن مع مرور السنين، قد يفقد شعرك لونه تمامًا بينما بشرتك، على الرغم من التجاعيد والبقع، لا تتحول أبدًا إلى اللون الأبيض.
لماذا يحدث ذلك؟ لماذا يتخلى الشعر عن صبغته بينما تتمسك البشرة بلونها؟
تكمن الإجابة في عمق بيولوجيا اللون، ودورة حياة الخلايا، والطرق المتميزة التي يعامل بها جسمنا ما ينمو علينا — وما يحمينا.
يعود الفضل في لون الشعر والجلد إلى خلية رائعة: الخلية الصباغية.
الخلايا الصباغية هي مصانع صبغية تنتج الميلانين، وهو جزيء يحدد نطاق الألوان في جلد الإنسان وعينيه وشعره. وهناك نوعان رئيسيان من الميلانين:
• الإيوميلانين، الذي يعطي درجات اللون الأسود أو البني.
قراءة مقترحة
• الفيوميلانين، الذي يعطي درجات اللون الأحمر أو الأصفر.
تمتص هذه الصبغات الضوء وتشتته، ما يخلق تنوعًا واسعًا في ألوان شعر وبشرة البشر. ولكن على الرغم من أن الشعر والجلد يشتركان في نفس التركيب الكيميائي، إلا أنهما يستخدمانه بشكل مختلف.
يأتي لون الشعر من الخلايا الصباغية الموجودة داخل كل بصيلة شعر، عند قاعدة الشعرة. تضخ هذه الخلايا الصباغية الميلانين في الخلايا الكيراتينية — الخلايا التي تشكل جذع الشعرة — أثناء نموها من البصيلة.
بمجرد خروج الشعر من فروة الرأس، يصبح في الأساس نسيجًا ميتًا — أليافًا قاسية مع صبغة بداخلها. اللون الذي تراه يظل ثابتًا حتى يسقط الشعر أو يتم قصه.
على عكس الجلد، الذي يتجدد باستمرار، يعتمد لون الشعر كليًا على النشاط المستمر للخلايا الصباغية في كل بصيلة. إذا توقفت عن العمل أو ماتت، فإن الشعر الجديد الذي ينمو من تلك البصيلة سيكون أبيض أو رمادي.
لهذا السبب يحدث الشيب شعرة فشعرة.
على النقيض من ذلك، فإن الجلد حي ويتجدد باستمرار. تتكون الطبقة العليا، البشرة، من خلايا كيراتينية تعلو الطبقات العميقة ويتم استبدالها كل بضعة أسابيع. تقوم الخلايا الصباغية، المنتشرة في جميع أنحاء الطبقة القاعدية، بتوصيل الميلانين باستمرار إلى خلايا الجلد هذه.
حتى مع موت الخلايا الفردية وتساقطها، يتم تلوين الخلايا الجديدة في الزمن الحقيقي بواسطة الخلايا الصباغية النشطة.
يأتي لون البشرة من الميلانين
لذلك، بينما تتقدم البشرة في العمر — وتظهر عليها التجاعيد والبقع أو تغير لونها — نادرًا ما تفقد صبغتها تمامًا. لا تتوقف الخلايا الصباغية في بشرتك عن العمل دفعة واحدة، كما يحدث غالبًا في بصيلات الشعر. قد تبطئ أو تتعطل، ما يؤدي إلى ظهور بقع فاتحة (كما في البهاق أو البقع العمرية)، ولكنها نادرًا ما تختفي في كل أنحاء الجلد في وقت واحد.
مع تقدمنا في العمر، تبدأ الخلايا الصباغية في بصيلات الشعر بالتآكل.
في كل مرة ينمو فيها الشعر، تنقسم الخلايا الصباغية وتنتج الميلانين. على مر السنين، يؤدي الإجهاد التأكسدي — الناجم عن الجذور الحرة والتعرض للعوامل البيئية والمنتجات الثانوية الطبيعية لعملية التمثيل الغذائي — إلى إتلاف الحمض النووي والإنزيمات المنتجة للصبغة.
في النهاية، تموت هذه الخلايا الصباغية أو تصبح خاملة. بدون الميلانين لتغذية الشعر النامي، يكون الشعر الجديد عديم اللون — ويظهر أبيض أو رماديًا. عدة عوامل تسرع هذه العملية:
أهم عامل تنبؤي. إذا كان والداك قد شابا مبكرًا، فمن المحتمل أنك ستشيب مبكرًا أيضًا.
يؤدي اختلال توازن الجذور الحرة إلى إتلاف الخلايا الصباغية.
يمكن أن تؤدي بعض أمراض المناعة الذاتية أو نقص المغذيات إلى تعطيل إنتاج الميلانين.
هناك أدلة تربط بين الإجهاد النفسي الشديد والشيب السريع، فهو ينشط الأعصاب الوديّة التي تستنفد الخلايا الجذعية الصبغية في بصيلات الشعر — ما يقدم دليلاً بيولوجياً على المقولة القديمة بأن ”الإجهاد يتسبب في شيب الشعر“.
يحدث الشيب شعرة فشعرة
إذا كان الإجهاد التأكسدي والعمر يؤثران على الخلايا الصبغية في كل مكان، فلماذا لا تفقد البشرة لونها بالكامل؟
لأن الخلايا الصباغية في البشرة يتم استبدالها بشكل أكثر فعالية.
في بصيلات الشعر، تعتمد الخلايا الصباغية على مجموعة صغيرة ومتخصصة من الخلايا الجذعية التي تقع في مكان محدد داخل البصيلة. عندما تموت تلك الخلايا الجذعية، لا يوجد احتياطي. ينتهي إنتاج الصبغة بشكل دائم لتلك البصيلة.
ولكن البشرة تتمتع بنظام تجديد أكثر قوة. يمكن للخلايا الصباغية في البشرة أن تنقسم وتعيد تكوين المناطق المجاورة. كما أنها تتواصل باستمرار مع الخلايا المحيطة بها — الخلايا الكيراتينية والخلايا الليفية والخلايا المناعية — التي تفرز عوامل نمو تساعد في الحفاظ على وظيفتها.
باختصار، تتمتع بشرتك بخطة صيانة أفضل. أما بصيلات الشعر فلا.
إذا لاحظت يومًا بقعًا داكنة ”بقع عمرية“ على بشرة كبار السن، فهذه دلالة أخرى على هذه القصة. تظهر هذه البقع — التي تسمى علميًا بالبقع الشمسية — عندما تفرط الخلايا الصباغية في مناطق معينة من الجسم في إنتاج الميلانين استجابةً للتعرض لأشعة الشمس والأضرار المتراكمة.
لذلك، حتى مع تباطؤ بعض الخلايا، تزداد نشاط خلايا أخرى. وهذا تذكير بأن الشيخوخة نادراً ما تكون متجانسة — فهي عبارة عن فسيفساء من فرط النشاط والإرهاق، والتدهور والتكيف.
تنتج البقع الشمسية عن فرط إفراز الخلايا الصباغية
لقرون، كان للشعر الأبيض وزن رمزي: الحكمة، والخبرة، ومرور الوقت. على النقيض من ذلك، يُنظر إلى البشرة على أنها هوية — لونها مرتبط بالأسلاف والانتماء والفرديّة.
وتعكس البيولوجيا هذه الاستعارة. فالشعر، الذي هو مظهر خارجي يتجدد بشكل مستقل عن الحياة نفسها، يحمل علامات الزمن بشكل أكثر وضوحًا. أما الجلد، وهو الواجهة الحية بين الذات والعالم، فيتكيف ويصمد.
وحتى في الشيخوخة، يبدو أن الطبيعة تحافظ على ما نحتاجه أكثر: لون ارتباطنا بالآخرين والشمس التي تمدنا بالحياة.
يدرس العلماء حاليًا طرقًا لإبطاء أو حتى عكس عملية الشيب. تركز بعض التجارب على مضادات الأكسدة التي تحمي الخلايا الجذعية الجريبية، أو العلاجات الجينية التي يمكن أن تعيد تنشيط إنتاج الصبغة. ويستكشف آخرون مركبات تحاكي الميلانين للاستخدام التجميلي.
ومع ذلك، يحذر العديد من الباحثين من أن الشيب ليس مرضًا يجب ”علاجه“، بل هو عملية حيوية طبيعية — تعكس كلاً من خارطتنا الجينية وتآكل الحياة التي عشناها.
يمكن إبطاء الشيب، أو حتى عكسه
يتحول شعرك إلى اللون الأبيض لأن خلايا الصبغة فيه تصل إلى حدها الطبيعي، أما بشرتك فلا تتحول لأنها تجدد نفسها أكثر. كلاهما قصتان مكتوبتان بلغة الخلايا — عن التحمل والاضمحلال والتجديد.
إذا كان الشعر يروي قصة مرور الوقت، فإن البشرة تروي قصة البقاء.
وربما، في المرآة، يكون هذا التوازن بين اللون الفضي واللون الأصلي هو بالضبط ما يجعلنا بشرًا — نشيخ ونتغير ونظل أحياء.
الحقيقة الغريبة حول مصدر الكتلة
تعزيز الإدراك قصير المدى من خلال ممارسة الرياضة يستمر لمدة 24 ساعة
اكتشف العقبة: جوهرة الأردن الساحلية على البحر الأحمر
7 سلوكيات خفية يقوم بها المضيفون تجعل ضيوف المنزل يشعرون بالترحيب على الفور
الشمول المالي والشباب: كيف تعزز التكنولوجيا فرص الجيل الجديد؟
جزر فارو: حيث يلتقي المحيط بالجبال في مشهد أسطوري
هل أدى تناول اللحوم إلى زيادة حجم أدمغة البشر؟ دراسة جديدة تكشف متى بدأ أسلافنا بتناولها
شبح الغابة المراوغ: الكشف عن أسرار الوشق
ثيبوديان (ثييب)، الطبق الوطني الموريتاني: الخصائص والتقاليد
الفوائد المعرفية لثنائية اللغة










