علومJan 16,2025

هل الشكل الكرويّ هو الشكل الوحيد المسموح به للكواكب؟

ماذا تقول الفيزياء؟

أول شيء يجب إدراكه هو أنه بموجب قوانين القوى الأساسية التي تحكم كوننا، من الممكن لأي كمية من المادة العادية، كبيرة كانت أم صغيرة، أن تتكتل وتترابط معًا. توجد الذرات المنفردة وحتى الجسيمات دون الذرية، مثل النوى الذرية أو الإلكترونات الحرة، بكثرة كبيرة في الأنظمة النجمية، وكذلك في الفضاء بين النجوم. وترتبط الذرات لتكوين جزيئات، يمكن أن توجد حرّة أو يمكن لها أن تتكتل معًا بكميات كبيرة وصغيرة كأجزاء من جمل أخرى. من جهة أخرى، هناك قوى نووية وكهرومغناطيسية تلعب دورًا، وكلاهما يمكن أن يطغى بسهولة على أية قوى أخرى على أمْدية صغيرة. ولكن عندما تجتمع كميات كبيرة من الكتلة معًا، فإن القوة الأضعف هي التي تفوز: الجاذبية. إذا جمعت ما يكفي من المادة العادية في مكان واحد - بغضّ النظر عن النوع أو الطور أو الأصل أو طبيعة المادة التي لديك - فسوف تنكمش حتى تصبح جسمًا واحدًا مرتبطًا بالجاذبية. عندما تكون هذه الأجسام صغيرة، فإنها تميل إلى تكوين هياكل صغيرة تشبه كرات الغبار. هذه الجسيمات الشبيهة بالحبيبات لا يتم ربطها معًا في الواقع عن طريق الجاذبية، بل عن طريق القوى الكهربائية الساكنة. ومجرّد تقريبها من الشمس، حيث تتعرض للإشعاع الشمسي والرياح الشمسية، يكفي لتدميرها. إذا كنت تريد شيئًا أكثر قوة، فعليك أن تنظر إلى كتل أكبر، ما يسمح لقوة الجاذبية بأن تصبح أكثر هيمنة.

لماذا؟

ولكن لماذا لا تصبح هذه الأجسام الصغيرة مستديرة؟ ذلك لأن القوى بين الذرات والجزيئات ــــــ التي تحكمها القوة الكهرومغناطيسية ــــــ أقوى من قوة الجاذبية على هذا المدى الصغير. فالجاذبية جاذبة دائماً وتجذب كل جسيم من المادة نحو مركز الكتلة، وهي حاضرة دوماً، ولكنّ هناك قوىً أخرى بين الذرات والجزيئات يمكن أن تساعد في تحديد شكلها وتكوينها. تتشكل بلورات الجليد في الشبكات، ويمكن أن تتشكل صخور رملية غير متبلورة، ويمكن أن تتكدس جزيئات الغبار في التربة أو حتى في أجسام صلبة، وهكذا... وعندما تُطبق قوة الجاذبية على جسم كبير أو مجموعة من الأجسام، فإنها تمارس ضغطاً. فإذا كان هذا الضغط كبيراً بما يكفي، فإنه سيدفع الجسم إلى إعادة تشكيل نفسه في هيئة أكثر استقراراً من حيث الطاقة. وهذا ما يُدعى التوازن الهيدروستاتيكي. وهو الخيار الوحيد الممكن بعد حجم معين. يمكنك تكوين مكعب أو هرم أو قرص مسطّح، أو أي شكل عشوائي تسمح به الطبيعة، ولكن بمجرّد أن يصبح الجسم ضخمًا، وتصبح قوة جاذبيته كبيرة، فلن يحافظ على هذا الشكل الأولي، بل سيصبح كرويًا أو شبه كروي. لأن قوة الجاذبية تتّجه دائمًا إلى مركز كتلة الجسم.

أين تكمن العتبات الفيزيائية؟

صورة من wikimedia

اتضح أنه إذا كانت كتلة الجسم أقل من 1018 كيلوجرام (كوادريليون طن أو نحو ذلك)، فسوف يكون نصف قطره أقل من 100 كيلومتر، وهذا أقلّ مما يسمح للجاذبية بتدوير هيئته. ولكن، إذا تجمّع ما يكفي من المادة لتجاوز هذه العتبة، فستتاح للجسم فرصة أن يصبح كرويًا بشكل طبيعي. على سبيل المثال، يبلغ نصف قطر قمر زحل "ميماس" أقل بقليل من 200 كيلومتر، ولكنه مستدير. في الواقع، إنه أصغر جسم فلكي معروف حاليًا له شكل دائري. ومن المفترض أن هذا الشكل جاء من خلال جاذبية ميماس الذاتية، حيث يعد ميماس القمر الكبير الأقرب إلى زحل، ويكمل مدارًا حول الكوكب الحلقي في أقل من 24 ساعة. إن ميماس منخفض الكثافة للغاية، فهو بالكاد أكثر كثافة من الجليد المائي، ما يشير إلى أنه يتكون إلى حد كبير من مواد متطايرة: جليد منخفض الكثافة يسهل تشويهه تحت قوة الجاذبية. لو كان ميماس مكوّنًا في معظمه من الصخور أو المعادن، لوَجب أن يكون أكبر حجمًا وأكثر كتلة حتى يتحول إلى كرة: يصل نصف قطرها إلى 400 أو 500 كيلومتر. ولكي نضمن حالة التوازن الهيدروستاتيكي، يجب أن يكون نصف قطره بحدود 800 كيلومتر.

الكوكبان القزمان إيريس وبلوتو هما في حالة توازن هيدروستاتيكي. وكذلك قمر الأرض، وقمر نبتون "تريتون"، وقمر زحل "تيتان"، وجميع أقمار المشتري الأربعة كلها في حالة توازن هيدروستاتيكي أيضًا.

يجدر بالذكر هنا أن مفهوم "الشكل الكرويّ" ليس إلا تقريبًا من الدرجة الأولى. فبالنسبة للأجسام الواقعية، بما في ذلك كوكب الأرض، فإنها ستظل تمتلك سمات كبيرة تؤدي إلى انحراف الجسم عن الشكل الذي قد تؤدي إليه الجاذبية الذاتية في عالم مثالي.

على الرغم من وجود العديد من العوامل التي تلعب دورًا في تحديد الشكل النهائي لأي جسم، إلا أنه لا توجد سوى ثلاث فئات رئيسة تندرج تحتها الأجسام. إذا كان الجسم منخفض الكتلة للغاية أو صغيرًا للغاية بالنسبة لتركيبه المادي، فسوف يتخذ ببساطة أي شكل حدث له بمحض الصدفة أثناء تكوينه. عمليًا، تتمتع جميع الأجسام التي يقل نصف قطرها عن 200 كيلومتر تقريبًا بهذه الخاصية، بغض النظر عن تركيبها. إذا كان الجسم أكبر حجمًا وأكثر كتلة، فسوف يعاد تشكيل هذا الشكل الأولي إلى شكل كروي تقريبًا، وهي عتبة تقع بين 200 و800 كيلومتر تقريبًا لنصف القطر، بحسب تركيب الجسم. وأخيرًا، إذا وصل جسم إلى أكثر من 800 كيلومتر في نصف قطره، فسوف يكون في حالة توازن هيدروستاتيكي: ضخم بما يكفي بحيث تحدد الجاذبية والدوران في المقام الأول شكله، مع وجود عيوب صغيرة فقط (مثل الجبال والوديان والشقوق) متراكبة فوق هذا الشكل العام. من حيث الكتلة، يتوافق الحد الأقصى مع واحد بالألف من كتلة الأرض الإجمالية. فإذا كانت الجاذبية قادرة على جمع كل هذه الكتلة، وجب أن يكون الجسم الناتج دائمًا في حالة توازن هيدروستاتيكي.

  • الحيوانات
  • إدارة وأعمال
  • الثقافة
  • الطعام
  • أسلوب الحياة
  • علوم
  • تقينة
  • الرحلات والسفر

    علوم

      المزيد من المقالات